د. خيرية السقاف
نشرت صحف الأمس ما أشارت إليه وكالة الأنباء السعودية في ملخص عن مضمون خطبة الجمعة التي ألقاها إمام المسجد الحرام, وخطيبه الدكتور صالح بن حميد يحث فيها الناس إلى التراجع عن التعلق بوسائل التواصل الاجتماعي, ومواقعها, ومجموعاتها, وحساباتها التي «دخلت وتدخلت, وكشفت وفضحت أدق التفاصيل في حياة الناس, والأسر, في أفراحهم وأتراحهم, وأسفارهم وتأملاتهم, ومأكلهم ومشربهم, وكل تصرفاتهم, ومتغيرات حياتهم», ويذكِّرهم بأن «التعلق الدائم بها أثر تأثيرا كبيرا في العلاقات الاجتماعية, وفي التواصل المثمر مع الأهل, والأقارب, وكل من له صلة بالفرد, حتى أدت عند كثير إلى تقاطع بسببها».
ولم يغفل د. الحميد كما جاء في خطبته عن تنبيه الجميع إلى أهمية الحقيقة الغافل عنها الناس وهي «المسؤولية الواقعة على عاتق المسلم لأنه محاسب عن أوقاته, ورسائله, ومشاركاته, وما رأته عيناه, وما سمعت أذناه, وما عملته يداه»..
ولأن الناس كل الناس قد تقاطعوا وانتهى الأمر, فترت علاقاتهم تماما, وأخذت تذوب في البيت الواحد ذاته, وبين المتلاحمين دما, والمشتركين منزلا, والقريبين جيرة, والجالسين مسافة, والعاملين معا, في مجالس الأسرة, وفي العزاء, والأعراس, ومع الصحب -إن كانت لا تزال لهم قائمة هؤلاء الصحب -, وحيث تحمل وسائل القطيعة هذه كفوفا صغيرة, وتتسع لها جيوب في اللباس, لأنهم اندفعوا, وتدافعوا, وخلصوا إلى أن يبيتوا وآخر ضوء يطفئونه فوق فرُشهم, وأول سطح يصافحهم بعد نومهم شاشات أجهزة تواصلهم.
إنهم حقيقة قد تقاطعوا وانتهى الأمر, من أجل هذا فإن الأمر أكبر, وأوسع, وأهم..
فهذا الموضوع قضية أحسب أنني, وغيري قد كتبنا فيها كثيرا, هي عامة وإن خصت, ومسؤولية وإن هي فردية لكنها ظاهرة جمعية, واجتماعية بالغة الأولوية فيما على الكاتب, والوالد, والفرد ذاته, ومخططي استراتيجيات القضايا الاجتماعية, والباحثين النشطين, والمؤثرين الفاعلين في جميع مؤسسات المجتمع باختلافها أن يعملوا بجدية, وعزم على مفردة «الوعي» غوصا في تفاصيل تخلُّفه العام وأسبابها الأولى, والجدية في ضرب أوتاد تأسيسه في مصادر التأثير الثقافة, والتعليم, والتربية, والإعلام, والمناشط باختلافها, والمسؤوليات, والقرارات المسؤولة عن الأخلاق, والسلوك, والتفكير, كصناعة مضادة, بأساليب مبتكرة فاعلة..
تلك مَهمة ليست يسيرة, وتطلع حالم يفوق الواقع, والتوقع, لكنه قد يكون سعيا رابحا يؤدي إلى «الوعي» مجداف السبيل إلى مرفأ أمان ينقذ الفرد من هذا الغرق المؤسف!!..