د. محمد عبدالله الخازم
الحمى كمصطلح ليس غريباً في بعض مناطق المملكة، فهو عبارة عن أرض محددة تملكها القبيلة أو القرية يمنع الرعي فيها أو صرام العشب والحشائش منها، طيلة الموسم، إلا بموافقة من كبار القبيلة أو القرية أو عرفائها كما يطلق عليهم، وذلك في حالات معينة كان يكون الربيع متوافراً ولا حاجة لحماية منطقة معينة أو نهاية الموسم أو غير ذلك من الضوابط، كما كان يحدث في قريتي. يعذر من يعتدي على الحمى ويتأزم الأمر بشكل أكبر لو كان الاعتداء من قبل أفراد قرية أو قبيلة أخرى.
تطور الأمر في ظل مأسسة الدولة فأصبحت وزارة الزراعة تملك مساحات جيدة من المناطق الرعوية وتعين لها ناظراً أو مراقباً وفي الأغلب يكون من أهل المنطقة الأعرف بشعابها، ويمنع البناء فيها أو قطع الأشجار أو إشعال الحرائق أو الصيد الجائر. وهكذا حافظ هذا النظام على مناطق جبلية رعوية لتبقى بكراً لا يغزوها العمران، وفي الأغلب كانت تلك الأراضي ملكاً مشاعاً للقرى وكل قرية تعرف حدودها، وهذا ساعد على الحفاظ عليها كذلك.
للأسف؛ أمام حاجة الناس للبناء والخروج من ضيق منازلهم القديمة بالقرى ولتراخي وزارة الزراعة أو دخولها في غيبوبة بالنسبة لهذا الموضوع، تحولت تلك الأراضي إلى مواقع منح عمرانية توزعها البلديات ويبني فيها الناس وفق مخططات عشوائية تبنتها البلديات المحلية وفق قدراتها المتواضعة. لم يعد هناك حمى للقرية ولم يعد هناك حمى تديره وزارة الزراعة وكم نتمنى ألا يغزو العمران العشوائي بقية المنتزهات والمراعي الخضرية الطبيعية.
بعد هذه المقدمة أصل إلى أن فكرة المحميات الحديثة لها أصول تاريخية في تراثنا المعيشي والإداري سواء على مستوى القبيلة أو مستوى المؤسسة الحكومية لاحقاً، والإعلان مؤخراً عن تأسيس عدد من المحميات الملكية ومنحها قوة تنظيمية بتأسيس مجلسها الذي يرأسه سمو ولي العهد يعد تطوراً إيجابياً ومهماً في مجال الحفاظ على الغطاء النباتي والرعوي والحفاظ على السلالات الحيوانية النادرة وعلى البيئة بصفة عامة. أتوقع بأن ضمن أهدافها الحفاظ والإضافة والتطوير لرقعة الغطاء النباتي والطبيعي، وذلك ممكناً إن استخدمنا وسائل الزراعة والري الحديثة واستفدنا من التقدم العلمي والبحثي في هذا المجال، لتتحول إلى منتزهات طبيعية كبرى. بالمناسبة، مسمى محمية واضح في تراثنا كما أسلفت، لكنه قد يحدث اللبس وبالذات في ترجمته الحرفية، لذا أرى تسميتها أو ترجمتها منتزهات (Parks)، وفق المتعارف عليه في كثير من الدول. منتزه يعني منطقة مفتوحة للجميع وهذا هو الهدف النهائي كما أتوقع.
لقد حدد النظام محميات كبرى، ونتطلع أولاً، إلى تمايزها وفق بيئاتها ومناطقها، ربما بتصنيف كل منها إلى (ثيم) محدد؛ صحراوي وبحري وجبلي ..إلخ. وثانياً، إلى الاستمرار باستحداث وتطوير العناية بالمنتزهات الصغيرة في كل منطقة، فكم أتوق لأن أرى (ريع) قريتي يعود كما كان منطقة محمية ولو بمجرد مساحة لا تزيد على عدد من الكيلومترات، يتم حمايته من البلديات والعمران وجور الناس على البيئة..إلخ.