د.ثريا العريض
ما نعايشه مؤخراً من مستجدات الحياة الاجتماعية والثقافية والترفيهية يثير مشاعر الابتهاج, ويملأ كل فرد سوي التفكير بالتفاؤل والتطلع للمزيد من التحرك للأمام ومواكبة العالم والحضور الحضاري؛ الوعي العام يتصاعد ليشجع احترام الوطن والفعل التطوعي للتبرع بتنظيف الحيز العام والتبرع بالدم أو حتى بالأعضاء لمن يحتاج بصورة ماسة, والتبليغ عن المخالفات الإدارية والفساد.
ثم تأتي حالات شاذة تصر على تفضيلها أن نبقى خارج الزمن.. وتمارس أفعال العصابات التخريبية من تهريب المحظورات وترويجها, إلى جرائم الاعتداء على الحيز العام والبيئة والممتلكات الوطنية والفردية, إلى التحرش والتهجم على الأفراد بأفعال الكراهية والتهديد.
ووسائل الاتصال الاجتماعية تقوم بدور واضح الفعالية والتأثير في استعراض ما يستجد على الساحة من أحداث, سواء جاءت سلبية أو إيجابية, وتستنفر الوعي للتعامل معها كفرصة للتوعية وتوجيه المجتمع إيجابيا؛ في ذات الوقت الذي تسرّع بدعمها الإعلامي تجاوب الجهات الرسمية واتخاذ الإجراءات المطلوبة.
خبر تعدي شباب متخلف الفكر على مواطنة سعودية بالتهديد, ومحاولة منعها من سياقة سيارتها, رغم أنها لم تخالف القانون بفعل ذلك, ثم ارتكاب جريمة إحراق سيارتها, يثير في نفسي الكثير من الألم والغضب, ليس فقط تعاطفا معها كأنثى يتنمر عليها متشددون فكريا فيحرمونها حقها وقدرة تحمل إعالة نفسها وعائلتها بشرف, بل أيضا لأن في هذا العدوان الشنيع مثالا لما خلت أننا تجاوزناه في عهد الحزم والعزم من تجني المجتمع وتمسكه بأعراف بالية في ما يتعلق بالأنثى في معادلة المجتمع.. بالإضافة إلى قلقلة الاستقرار والأمن على أساس تفضيلات فئوية تصدع الشعور بالأمن وتهز الثقة والشعور بالانتماء.
هؤلاء المعتدون ليسوا حتى من أقارب الشابة المعتدى عليها, ولكنهم نصبوا أنفسهم مسؤولين عن خياراتها وما يسمح لها به. والحقيقة المفجعة التي يبدو أنهم لا يعونها أنهم هم المسيؤون الذين يحتاجون إلى من يحد من سوء تصرفهم ويعاقبهم, ردعا لكل من تسول له نفسه أن يمد يده ليعتدي على مواطن لمجرد أن تصرفاته لا توافق ميوله.
فقط حين يتفهم الأفراد أن مسؤولية تقدم المجتمع وتحضره ككل هي واجب كل فرد وليس القيادة العليا وحدها, سنرى المجتمع يتقبل حرية الخيار في حدود ما يسمح به القانون.. هكذا نرى حب الوطن وصدق الانتماء مجسدا في الفعل الواضح.
أثق تماما أن رؤية وبرنامج التحول ستحقق للشباب السعودي من الجنسين ما يحلم به كل محب للوطن وأمنه واستقراره. نعم القرارات العليا تتواتر وقد حققت لها بعض ما تفتقد.. وبقي الكثير الذي آمل أن أراه يتحقق متى ما نزعنا أشواك التوجس والخوف وعدم الثقة والرغبة الأنانية في إبقاء المرأة في دور يحرمها من قدراتها الإنسانية ومهاراتها المهنية ورغبتها في المشاركة الكاملة.
هناك ملايين الشابات المؤهلات كل ما يردنه هو الشعور بالأمن والاستقرار وفرصة تحقيق الذات والمشاركة في استدامة أمن الوطن واستقراره.