مها محمد الشريف
لقد تعرضت الأمة العربية لهيمنة من خارج ثقافتها، ما جعل العطايا المقابلة لا تناسب العقول، وأهم ما يمكن ملاحظته في مشكلتها الحقيقية مع بعض المتغيرات والتنازلات، فهل وجب أن تتواجه تلك الحقائق ميدانياً وتتوحد مع الجماعة؟، حتى وإن اختلفت في جوهرها أصبحت قوى متناقضة مما أدى إلى ضعف إمكاناتها الاقتصادية وصورها المختلفة من الإحباط، بعدما تعذرت جميع الحلول وأصبح من المستحيل قيام دولة ديموقراطية لفلسطين.
وكما هي عادة الأخبار المحبطة ذات الطابع المغرق في الغرابة تناولت وسائل الإعلام قصة فلسطيني حوّل حديقة منزلة إلى غابة صبار مخالفة للإرث الفلسطيني، حيث يحسن بنا أن نلتفت إلى أنه ضرب مغاير للطبيعة وقناعات الناس، فقد أصبحت هذه الزراعة تتنامى في غزة وتصاعد اهتمام الناس باقتناء هذه النبتة، وبالاسناد إلى هذا الخبر أو القصة نستطيع أن نبين كيف أن الموقف مؤلم في جوهره بعد زراعة شجرة الزيتون المباركة التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم، تتحول الزراعة إلى نبتة الصبار، والألم هنا من زاوية العلاقة بثقافة أساسية تغلغلت في النفس العربية.
لم يعلم هذا الرجل ماذا حل في مجتمعاتنا العربية من جراء هذه النقلة الكبيرة وهذا التاريخ العالمي المعاصر، ولن نحمله وزر التواريخ المرعبة ودوافع المحتل والخونة ومقدار الانهيار الاجتماعي والجغرافي الذي أصابنا وأصاب قضايانا المصيرية .
لقد كانت قضيتنا الرئيسية هي «فلسطين» واحدة من أهم القضايا واليوم مجموعة كبيرة من القضايا تعذر الوصول بها إلى مشارف السلام، فالبحث عن مبدأ التراجع ساعد على فهم الواقع المرير رغم المغالطات التي يتبناها البعض، بدعوى القدرة على تحقيق مطالب التقنية والعصر، إن معظمنا يبحر في المنوال الحضاري وثقافة العصر وهو يجانب الصواب ويميل إلى الأفكار الثورية لإشعال الفوضى واستمرار القمع وخنق الشعب بالأزمات، وهذا شكل ملازم لتاريخ القضية الذي خلق نظرية جديدة حول قضايا لا نفهمها تفضي بالتدرج إلى جدل قائم على تناقض وانفصال كبيرين.
إن معظم ما ذهب إليه الفلاسفة والعلماء في بحوثهم إلى أن العالم أصبح أقل إنصافاً مما كان عليه قبل قرن من الزمان، رغم النمو الاقتصادي الملحوظ ورغم تحسن معايير الحياة، فإن الفقر لا يزال موجوداً والجريمة أضحت أكثر اتساعاً!
إن تأثيراكبيرا يظهر في الوجود لا يقتصر على استبدال أشجار الزيتون بزراعة الصبار في الحياة الزراعية الفلسطينية التقليدية، يعد قدرا مصنوعا بإيدي فلسطينية تزرع الصبار وأخرى اسرائيلية تزرع الغرقد وطمس هوية الثقافة الزراعية للبلاد، وهذان النوعان يتضح بجلاء حتى في عناوين قصص النضال وفي أعماق الروح العربية المرتبطة مباشرة بغصن الزيتون.
لا أحد يستطيع أن ينفي اليوم معاناة الشعب الفلسطيني ويشاركهم الهموم وما تقدمه المملكة العربية السعودية من دعم لدولة فلسطين المحتلة، ولا زالت ذاكرة العرب والمسلمين تحمل ذكرى الانقلابات في المواقف في نهاية الثلاثينات من قتل وعنف للفلسطينيين من قبل العدو الصهيوني رعاة الإرهاب.
لاشك أن منطقتنا العربية عاد تاريخها أدراجه إلى الحروب الصليبية الاستعمارية وتراجعت عملية السلام سنوات طويلة بسبب تخاذل الغرب ومحاباة إسرائيل ووأد الصراع العربي الإسرائيلي من جدول قضايا الساعة الراهنة وتجاهل التنمية الاقتصادية ومنهجية الأخطاء المرتكبة بتهويد المقدسات وانتهاكات سياسية وانسانية وطمس الهوية الفلسطينية، وستظل هذه القضية صيحة تنتظر زمنها وإشعاعا لا ينطفيء على مر العصور، حتى تعود أشجار الزيتون الباسقة تنبت على أرض فلسطين وتصدر ثمارها لكل دول العالم.