د.مساعد بن عبدالله النوح
لقد بات العنف المدرسي قضية تربوية في حكم التربويين سواء الأكاديميين أو الممارسين، بل تصدر حزمة القضايا التربوية التي تواجه نظم التعليم في أي مجتمع إنساني، وعلى الرغم من كثرة تناوله في مختلف اللقاءات التربوية الرسمية والبحوث العلمية والرسائل الجامعية ومحركات البحوث وأحاديث الناس، إلا أنه مستمر في مراحل التعليم ولاسيما التعليم العام، ولدى الذكور، مما يدفع بالمرء إلى الشك في جدوى آليات التعامل معه. وهذا عُرف لدى المختصين في الإحصاء التربوي الذين يحددون نسباً للشك والثقة بصحة التفاصيل المتوافرة عن حالة تربوية ما.
لا يخلو جهد علمي تناول العنف المدرسي إلا وتطرق إلى تعريفه، وأنماطه، واتجاهاته، وأسبابه، وأعراضه، وآثاره، وحلوله الممكنة. لكن يلاحظ استمرار وجوده في المدارس من الطلاب والمعلمين والبيئة المدرسية، لدرجة وصل الأمر بالبعض إلى تسجيل حالات عنف في فيديوهات أو تصويره بواسطة أجهزة الجوالات المتوافرة مع الطلاب أو المعلمين وإرسالها إلى شبكات التواصل الاجتماعي في إشارة إلى تخلف إجراءات الحد منه، أو تحدي قيادة المدرسة وإدارة التعليم.
المدرسة ليست مجتمع ملائكي، تسود أيامها التفاعلات الإيجابية على الدوام، ولذلك يعد العنف المدرسي سلوك غير مرغوب فيه، لكنه متوقع حدوثه، نتيجة اللقاءات اليومية بين أعضاء الأسرة المدرسية، واختلاف الثقافات البيئية، واختلاف السمات الشخصية لكل فرد في المدرسة. وإذا كان متوقعاً من الطالب من الجنسين حيال طالب أو معلم؛ نظراً لصغر عمره، واندفاعه في مواجهة الحالات اليومية، إلا أنه مستغرب من التربوي وبشدة من الجنسين في المدرسة؛ لنضجه العقلي وثقافته التربوية، وعاطفته الوالدية.
إن الدارس لثقافة العنف المدرسي، يلحظ بشاعة أنواعه، وخطواتها، وأعراضها، ونتائجها؛ لأنه مخالف للفطرة الإنسانية الطبيعية، التي تدعو إلى التعامل المناسب مع المواقف بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن. وإنك لتدرك هذه البشاعة من قراءة أبسط تعريف للعنف المدرسي بأنه « إظهار العداوة والنيّة بالإيذاء داخل الوسط المدرسي أو الوسط المحيط بالمدرسة، وما يلي ذلك العدوانُ أو النيّة من سلوكياتٍ تُسبّب الأذى الماديّ أو الجسدي أو النّفسي بالأشخاص المُعنّفين»، والاطلاع على أسبابه، الأمر الذي يستلزم مقام وزارة التعليم سن حلول رادعة تتعامل معه تدريجياً حتى تحد منه بصورة كبيرة.
ولا يشك المرء في حرص الوزارة في مواجهة الحالات التربوية من مشكلات وظواهر وقضايا تربوية سواء أكانت بسيطة أم معقدة، فهي تضم كفاءات وقيادات تربوية تعمل وفق أسس علمية، أقول هذا لست مجاملاً، فأنا أتعامل مع معلمين وقادة مدارس ومشرفين تربويين ومديري إدارات في برامج الدراسات العليا، وألحظ جديتها وثقافتهم المهنية وحرصهم على الارتقاء بنظام التعليم السعودي.
والعنف المدرسي مثل أنواع العنف الإنساني الأخرى كالعنف الأسري أو العنف ضد المرأة أو العنف ضد الأطفال... إلخ بالمقدور محاصرته والحد منه بدلاً من اللجوء إلى أساليب علاجيه قد لا تكون رادعة. وتتمثل الحلول المتداولة لعلاج العنف المدرسي في الكتابات ذات الصلة في: تبني منهجٍ أخلاقي شامل يتّقي العنف قبل وقوعه في البيئة التربوية، أو يقلل من تكراره ويحدُّ منه بصورة لا تجعلهُ يظهرُ كظاهرةٍ داخل أسوار المدرسة أو في الوسط المحيط، ويبدأ ذلك بتنمية القيم الدينيّة عند الطلبة وتعزيز الأخلاق وغرس المبادئ الصالحة، وإثارة قيم الإيثار والتّسامح والرّفق في نفوس الطلبة، وإرشادهم إلى السلوكيات الصحيحة والمهارات المستحبّة في الحوار، وحلّ المشكلات والتواصل، كما يجدر بالمؤسسة التربوية تركيز الانتباه وتعزيز الرقابة لسلوكيات الطلبة وانفعالاتهم وأنماط تفاعلاتهم فيما بينهم وبين البيئة التربوية ككل.
ومن الحلول نشر ثقافة الإنصات والتواصل والتسامح بين الطلاب، والمعلمين. تنظيم اجتماعات ولقاءات مع أولياء الأمور من شأنها أن تحفز الاستماع إلى الطالب عن طريق الحوار والتعبير عن رأيه، والاستماع إلى ملاحظات المعلمين حول الطالب ذاته. وتعزيز وتحفيز الأنشطة الثقافية، والرياضية، والمواهب في النظام التعليمي.
وتفعيل دور المرشد الاجتماعي في البحث، ودراسة ومعالجة العنف من خلال التحقيق مع الطالب العنيف والطالب المعتدى عليه، واتخاذ الإجراءات المناسبة. وخلق فرص أو حصص دراسية تختص بالاستماع والتواصل مع الطلاب، وتعزيز ثقة الطالب بنفسه، والابتعاد عن أسلوب التحقير والتهميش، وعقد الندوات والمحاضرات التي تثقف الطلاب عن ظاهرة العنف وأشكاله، وأضراره، وكيفية التعامل معه. وتعزيز دور المرشد الاجتماعي في التواصل مع الأسرة، والطالب، والمعلم.
وبالنظر في الحلول المذكورة فإنها حلول تراعي البعد الإنساني وهذا أولية الأوليات في عمل التربويين، حيث الاهتمام بظروف الأفراد، وتقديرها، والشفقة عليهم، والرغبة في الأخذ بأيديهم. لكنها في الوقت نفسه لا تعدو أن تكون إلا حلولاً تسكينية أو تخديرية؛ لأن بعض المواقف تتطلب حلولاً صارمة تسهم في منعه.
وعليه فإني أقترح سن نظام لمكافحة العنف المدرسي مثل بقية العقوبات أو الجزاءات للجرائم والتجاوزات، ولعل مقام وزارة التعليم مشكورة تنظر فيه وتعمل على مراجعته بما يتناسب وتوجهاتها حيال هذه القضية. وكم سعدنا من سن مقام وزارة الداخلية نظام مكافحة التحرش الذي تم إقراره مؤخراً.
ونظام مكافحة العنف المدرسي هو يتألف من مواد تُعرًف بطبيعة العنف المدرسي، ويفسرها دليل إرشادي تكون العقوبات المحددة رادعة، ويستهدف حماية أفراد الأسرة المدرسية والبيئة المحيط بها من الأضرار النفسية والبدنية التي قد تلحق بأطراف العنف قبل وقوعه، وإصلاح سلوك الأفراد الذين لديهم نزعات إلى السلوك العنيف وهو بهذا يكون نظاماً وقائياً وعلاجياً.
والمادة الخاصة بعقوباته تكون:
1- بتكفل الفرد الممارس للعنف كافة نفقات كل التلفيات التي تسبب في إحداثها بمرافق المدرسة أو البيئة المحيطة بها.
2- دفع تعويضات مالية إلى الفرد المتضرر من العنف للأضرار النفسية والجسدية أو التي لحقت بممتلكاته.
3- الاستعانة بالأكاديميين والميدانيين التربويين لدراسة بيئة الممارسين للعنف وعمل جلسات لهم لتوعيتهم بخطورة استمرارهم في طريق العنف.
4- عمل زيارات لهم إلى مصحات نفسية لتحذيرهم بإمكانية إرسالهم إليها في حالة استمرار العنف.
5- تكليفهم بأعمال صيانة لمدارس في المدينة.
كما ينتظر من الوزارة عمل التعريف بهذا النظام برفعه إلى مقام مجلس الشورى، وبعد تأييده ومباركته يُرفع إلى المقام السامي لاعتماده، ثم يعلن عنه في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وللأسر، والطلاب، والبدء الفوري بتطبيقه في المدارس والجامعات. هذه محاولة صادقة من تربوي إلى معقل صناعة الشخصيات المتميزة.. وفق الله أبناءنا الطلاب وحفظهم من كل مكروه.. آمين.