حمّاد السالمي
جرت العادة على تقديم التهاني لكل من ينال الثقة بتولي مسئولية لها مساس بالشأن العام؛ لكني أخالف هذه العادة، ذلك أن: (خير عادة ألا تكون لك عادة) كما يقال، فأهنئ نفسي ومن هو مثلي مهموم بالشأن العام؛ بوصول معالي الشيخ الدكتور: (عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ)؛ لسدة الإدارة في وزارة الشئون الإسلامية. هذه الوزارة التي لها شأن عظيم في حياة الناس، ويتشكل على يديها الخطاب الديني الذي يمثل المملكة حكومة وشعبًا، ولهذا.. فإن حاجتها إلى قيادة حكيمة حازمة شجاعة؛ قائمة. وستظل كذلك حتى تستوي على جودي الوسطية والاعتدال، والبعد عن الحزبيات المقيتة، التي نالت من أمن واستقرار بلدان عربية وإسلامية كثيرة. إن ربّان هذه الوزارة الجديد الدكتور عبداللطيف آل الشيخ؛ هو من هو في فهمه السليم، وجرأته وشجاعته في مواجهة كافة التحديات. وتاريخه المجيد في إدارة هيئات الأمر بالمعروف من قبل؛ شاهد على ما أقول، فقد حورب وأوذي كثيرًا، فلم يزده ذلك إلا صلابة وقوة وثباتًا على الحق، فهو كما قال الشاعر:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محببُ
رسالتي إلى معالي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ؛ تتلخص في البوح من جديد حول الخطاب الديني، الذي هو مبتدأ وخبر وزارة كبيرة كوزارة الشئون الإسلامية. من جديد.. لأني وغيري كتبنا وقلنا وعدنا منذ سنوات وسنوات، مطالبون بإصلاح هذا الخطاب. نعم إصلاح وتقويم وتوجيه، بما يخدم سياسة المملكة في الداخل والخارج، ويحقق الطمأنينة والانسجام لمواطنيها، الذين لا شأن لهم بما تموج به بلدان كثيرة من فتن وقلاقل واحتراب؛ على أيدي قتلة وإرهابيين يدّعون أنهم يمثلون الدين الإسلامي الصحيح، وهم لهذا الفهم السقيم؛ يقتلون ويخربون ويدمرون بهدف إقامة (دولة الخرافة الإسلامية)، فيجدون من يدعو لهم من فوق المنابر؛ بالنصر والتمكين، في الشام والعراق والصومال وباكستان وأفغانستان وليبيا وغيرها، ما عدا جنودنا البواسل على حدنا الجنوبي المهدد من (الحوثيين أعداء الله)، فهؤلاء خارج مفهوم الجهاد المزعوم لهذا الخطاب الحزبي المقيت والمخجل حقيقة..! ويؤمِّن بعض المستمعين لهذه الخطب النارية في الجوامع، والكثرة منهم لا تعرف شيئًا عن هذا الخطاب المسيس في الأصل.
يا معالي الوزير.. أعرف أنك أمام مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، وأنك تحمل روح التغيير، وتملك أدوات الإصلاح، لخطاب ديني ليس كل من تولاه على قدر جيد من العلم والفقه والثقافة الكافية، وهنا نعرف أنه كان لهذه الوزارة جهود لا تنكر، ومحاولات سابقة قبل أربع سنوات لتوحيد خطبة الجمعة، ولتنظيم وضبط الخطاب الدعوي المصاحب، الذي ينطلق عادة من المساجد، ومن المراكز الدعوية وخلافها. لا أدري إلى أي حد وصلت هذه الجهود، لكني واثق أن وزارتكم الموقرة؛ قادرة على تكوين لجنة أو هيئة استشارية، تضع الخطوط العريضة التي تكفل خطبة موحدة في كل منبر جمعة في المملكة. خطبة تقرب بين النفوس، وتعكس سياسة الدولة، وتبعد عن التكريه والتفسيق والطائفية والمذهبية، فلا تهمز ولا تلمز، ولا تُغرّب الذهنية المحلية إلى بلدان وفرق وشيع في شتى قارات العالم، وكأننا مسئولون ومعنيون عن شذاذ يحملون البنادق والمتفجرات، ويمتهنون القتل والتشريد.
لست ضد الوعظ الديني والاجتماعي المتزن، الذي يذكّر الناس بفروضهم وواجباتهم، ويعالج المشكلات الاجتماعية بدون تأثيم أو تفسير يفضي إلى التشكيك والتحريض والفتنة. إن الوطن -وليس الوثن كما يرى الصحويون- وحق رعايته وحمايته والدفاع عنه؛ هو من أوجب ما يكون في صلب خطاب ديني وطني نزيه ومجرد من عبث العابثين، من متبني خطاب القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام والإخوان المفلسين، وخطابنا الديني والمنبري تحديدًا، يجب ألا يخرج عن توجهاتنا الوطنية والسياسية والثقافية، التي تمثل وسطية الإسلام واعتداله، وتحرص على تمتين اللحمة الوطنية بين كافة فئات المجتمع بكل أطيافه ومذاهبه، وتشترك بقوة وفاعلية مع المجتمع الدولي في مواجهة التطرف، ومحاربة الإرهاب، والعمل على القضاء على الجماعات التي تدعي الجهاد، وتستدر عطف المتعاطفين معها، ليمطروها بأدعية النصرة والتمكين والغلبة على ثمانية مليارات إنسان فوق هذا الكوكب..!
لا شك أن وزارتكم معالي الوزير؛ سوف تتحمل الكثير من الجهود على أكثر من صعيد، ليس أولها إشكالية الخطاب المنبري والدعوي، وليس آخرها إدارة المساجد وترشيد الإنفاق على صيانتها وإنارتها ومائها، وتفعيل التعليمات والتوجيهات التي كانت تصل إلى الفروع في خصوص مكبرات الصوت وترشيد استخدامها؛ بما يخدم جوار المساجد والمصلين داخلها. تعليمات لم تنفذ حتى اليوم.
تبقى هناك مسألة التوظيف للأئمة والمؤذنين، التي هي في معظمها نفعية لمن هم موظفون في جهات أخرى، وفي قطاعات خيرية وغيرها. هناك من المؤهلين للإمامة والخطابة من الشباب؛ أعداد كبيرة لا وظائف لهم، وهم أحق من غيرهم في شغل هذه الوظائف المساجدية، من أولئك الذين يجمعون بين وظيفة رسمية ووظيفة الإمامة والخطابة، ووظائف أخرى في جمعيات خيرية وخلافها.
هذه رسالتي لمعاليكم يا وزير الشئون الإسلامية، هل تصل..؟