فهد بن جليد
سيول الأمطار التي أغرقت جدة في الحادثة الشهيرة - نوفمبر عام 2009م - كشفت اهتمام أغلب الناس بمنازلهم وشوارعهم وكيف تأثرت حياتهم الحديثة والعصرية فقط، نفر قليل سألوا عن مباني (جدة التاريخية) هل تهدمت؟ هل تعرضت للانهيار أو الخطر؟ هؤلاء كانوا يؤمنون بقيمة وأهمية هذه المنطقة التاريخية والتراثية، لاحقاً أُدرجت ضمن مواقع التراث العالمي في اليونسكو - 21 يونيو 2014م- لا يمكن أن تلوم الناس في ذلك الظرف فما يهمهم ويعنيهم هو مصلحتهم الآنية واليومية التي تأثرت بالسيول لا أكثر، انتهت السيول وآثارها وبقيت جدة التاريخية رافداً اقتصادياً مهماً للمنطقة وأهلها، الصورة تشكلَّت في أذهان الناس شيئاً فشيئاً، كعملية مُعقدة ومُضنية.
المشهد اليوم وبعد مرور تسع سنوات اختلف تماماً مع تسجيل واحة الأحساء كخامس موقع سعودي ضمن التراث العالمي، فرحة الناس كبيرة، واهتمامهم تغير، الفضل يعود للوعي الذي خلقته هيئة السياحة والتراث الوطني بأهمية الحفاظ على مثل هذه المواقع، لدى مُختلف شرائح المجتمع (الشباب، المشايخ والدعاة، قادة الفكر والرأي، رجال الأعمال) الكل بدأ يدرك أهمية مثل هذا الحدث والعائد منه؟ كمُحرِّك اقتصادي حقيقي في ظل رؤية المملكة 2030, بالفُرص التي سيتم منحها للمنطقة وأهلها، سيكون هناك مطار جديد، خدمة قطار مُختلفة، بنية تحتية حديثة ومُتقدمة، ملايين الزوار والبشر سيأتون إلى هنا من داخل السعودية و خارجها، ستكون واحة الأحساء على قائمة خيارات السواح في الخليج، سيحتاجون إلى فنادق، وسائل نقل، مطاعم، أماكن ترفيهية، ممَّا سيخلق الوظائف لأهل المنطقة، وسيكون له مردود اقتصادي عظيم، صورة العُلا وغيرها من المواقع التراثية السعودية تتكرَّر مرة أخرى.
الخميس الماضي التقيت الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني، وكان سعيداً بردة فعل الأحساء وأهلها، بل إنَّ تفاعل السعوديين جميعاً مع هذا الحدث الكبير والهام جعلني أتساءل هل نجحت هيئة السياحة ورئيسها بالفعل في إعادة تشكيل مفهومنا نحو أهمية هذه المواقع؟ عندما تتاح لك فرصة الحديث مع الأمير سلطان المُحاط (بفريقه الناجح) من حوله دوماً، وتعرف أنَّه ينسب النجاح للعمل الجماعي وروح الفريق، وأنَّهم يدينون بالفضل لمن سبقهم في الحفاظ على هذه المواقع التراثية والتاريخية، ستكتشف أنَّ السر يكمُن في التفكير بهذا الذكاء، الذي غير مفهومنا حول هوية وقيمة تراثنا الوطني، و جعلنا شركاء مع الهيئة و مؤمنين أكثر بأهميته, ومقتنعين بعوائده وآثاره الاقتصادية الإيجابية على الإنسان والأرض، بعدما تعرض للتجاهل سنوات طويلة.
وعلى دروب الخير نلتقي.