د. صالح بن سعد اللحيدان
وتبعاً لما مضى في نسق مطّرد في دائرات مفتوحة من خلال هذه القراءة العلمية أقول من أجل ذلك هيأ الله تعالى للإنسان وسهل عليه العمل الذي شرعه له، ما لم تخادع النفس فيه العقل فتوسوس له مثلاً ثقل قبول الحق في العبادات أو في المعاملات المنضبطة بالدليل خلال زمانه الذي يعيش فيه .
لأن النفس حين تحتال على العقل يأتي معها الهوى والرغبة اللاشعورية نحو التعلق بالزمن من خال نشدان الخلود، ويبرر ما يميل إليه هنا إباحةً أو نقاشاً أو جدلاً ، من اجل ذلك يقع الزلل حتى في قضايا الإيمان والتوحيد .
ولما كان سقف العقل محدوداً في حقيقة التفكير والتدبر تأتي حيل النفس وتجر معها الخيال والتخيل، فقد يحصل هنا الإلحاد لا شعورياً وما دام الإلحاد يفتح المجال نحو رغبات النفس لا شعورياً ورغبات الهوى كذلك، فإنه يمضي في هذا السبيل وإن كان يحصل له قرع العقل بين حين وحين لكنه لا يلتفت إلى هذا لطغيان الهوى ونشدان الحياة كما يتصور ذلك، لأن العقل المأسور بقيد النفس وحيلها ولأن الخيال جامح لا حد له فإنه يسيح تائهاً في ( اللا أدري) فتكون المحصلة الميل اللاشعوري عن وعي الإيمان .
من أجل ذلك جاء بعث الرسل -عليهم السلام- وإنزال الوحي، ولهذا فإن عبد الرحمن بدوي في جل كتاباته لم يكن بذلك المتوسع في حقائق الكون المقروء ولا في حقائق الكون المنظور فتخبط كثيراً، وإن كان أخيراً قد ثاب وحسن من وضعه قليلاً قبل وفاته حينما أحس بثقل لوم الضمير.
ولكن سلامة موسى وأحمد بن عبد المعطي حجازي لم يكونا على درجه من العمق التصوري لحقيقة النص وما يكون له من الحكمة في الخلق والسياسة والاجتهاد ولهذا زلا، وهو نفسه ما ارتكبه ( خالص جلبي ) وما يرتكبه الآن ( ياسر الحبيب ) بشيء من التبذل والاعوجاج وهو ما نصت عليه ( رسائل الخميني ) .
ولا جرم فليس هناك أجل من النزاهة ورؤية وصول حقائق العقل الفطري، فقد سئل أحد أهل الكتاب عن الربوبية وما جاء هناك مختصراً ما يلي على سبيل السؤال .
أولا : هل يمكن أن يولد (الإله) ؟
ثانيا : هل يمكن أن يصلب الإله ؟
ثالثا : هل يمكن أن يتحمل الإله كما تقولون عذاب الناس هكذا ؟
رابعا : من كان يدبر الكون والخلق حينما تم صلب الإله كما تقولون ؟
أسئلة عقلية حرة عالية السقف لا ينفع فيها إجابات تقليدية أو عاطفية أو تأويلية .
وحقيقة القول هنا كما في سورة الأنعام ويونس والنحل أن من لا يتقيد برابط العقل الحر المكين تنعكس في عقله الباطن الحقائق، فيظن هنا بل يتيقن ويتأكد لديه أن المسار الذي هو عليه هو الصحيح، فتجده مثلاً يتجرد عن حقيقة الفكر الصواب إلى منطلقات هائجة يراها عقلية بل ومنطقية كالجرأة على النص أو الأحكام، فتجده ينظّر بتشديد الظاء مع كسرها , فقد يعجب بملحد لأنه حر التفكير واسع النظر دون الالتفات أصلا إلى حيل النفس ومراوغة الهوى وتقلب القلب، ولهذا تجد هذا النوع لا يتورع عن أي شيء تفكيرا أو كتابة أو عملاً بينما هو في أعماق نفسه الداخلية إنما يريد تحقيق طموح ما كبديل عما فقده من قبل.
فالزمن يكمن ( الإنسان ) داخله من باب حكمة الخالق في خلقه
1/ كيف يفكر؟
2/ كيف يعمل ؟
3/ كيف يصدق ؟
4/ كيف يتحرر ؟
5/ كيف ينظر ؟
ومن هنا حينما يسلم الإنسان نفسه من خلال عقله إلى غيره يكون تابع له فتنشأ التبعية دون شعور.
ولهذا فإن محمد شحرور في لقاءاته مع الأستاذ الفاضل يحيى الأمير قد أخطأ أخطاء قد يصعب عليه تصحيحها لو رجع إلى أصول وقواعد التفسير العلمي بما دلت عليه النصوص وأسباب النزول، ولذلك حينما فسر علم الأجنة في هذا اللقاء أهمل مقدمة سورة الحج التي بيَّنت أصل الخلق والفرق بين الإنسان وغيره في الخلق والإيجاد، كما انه زل زللاً واضحاً من خلال فرضية الزمن المتطاول بعدوله عن حقيقة (الظلمات الثلاث). والذي آلمني كثيراً أنه في إحدى لقاءاته حينما سئل عن «والفجر وليال عشر»، فسر الليالي العشر تفسيراً لا يمت للحقيقة بصلة لا من حيث الواقع العلمي ولا من حيث الواقع النظري ولا من حيث الواقع النصي فأبعد النجعة لو اطّلع على سبب النزول عند كثير من المفسرين لوجد أن العشر هذه إنما هي عشر ذي الحجة، لكن المشكلة عنده كما هي عند عدنان ابراهيم ويوسف زيدان هي الرؤية الضيقة من خلال جعل الزمن مرتعاً للاجتهاد الذي لا يمت لحقيقة العلم بصلة، وكما قد قهقهت واستغرقت في هذا حينما كنت استمع إلى محمد شحرور في شرحه لآيات الكون والخلق والإيجاد .
وسوف إن شاء الله تعالى أبين المزيد في طرح علمي حيال هذا من خلال هذه المجلة التي لعلها سبقت غيرها في ارتفاعها الجيد في الأطروحات الراقية.