ظل يُقال لنا على مدار السنوات أن التفكير الإيجابي هو المفتاح إلى حياة سعيدة، لكن في هذا الكتاب «فن اللامبالاة» يقول مارك مانسون: فلنكن صادقين، السيء سيء، وعلينا أن نتعايش مع هذا، لا يتهرب مانسون من الحقيقة ولا يغلفها بالسكر، لا يجملها ولا يحاول التحايل على ألمها، إنه يخبرك بها دفعة واحدة بلا زيادة أو نقصان.
الكتاب لا يمكن أن يصنف كتاب تطوير ذات، أو كتاب يبيع الهراء للقراء الذين يحاولون صنع الفارق في دواخلهم، ينصح الكتاب بتقبل الذات، بالتماهي مع الألم باعتباره شيئاً لا يمكن التغافل عنه، أو تهميشه، لا بد أن نكف عن الهرب والكذب والدوران حول الحلقات المفرغة، الحقيقة موجعة، ولا شيء أقل من ذلك، ليس هناك ما يسمى بالاستثنائي أو الشخص الذي لديه ما لا يملكه الآخرون، الحياة ليست عادلة، وهذا بالضبط ما يجب أن تؤمن به.
وأما عن النجاح والفشل فيقول مانسون: إن النمو عملية ترابطية متكررة لا نهاية لها، نحن ننتقل من «خطأ» إلى «صواب» عندما نتعلم شيئاً جديداً؛ بل إننا ننتقل من «خطأ» إلى «خطأ»، لكنه خطأ بمقدار طفيف. وعندما نتعلم شيئاً إضافياً بعد ذلك، فإننا ننتقل من «خطأ» أقل بقدر بسيط إلى «خطأ» أقل بقدر بسيط إضافي. ثم ننتقل إلى «خطأ» أقل بقدر بسيط من ذلك الخطأ، وهكذا دواليك.
نحن في عملية اقتراب دائمة من الحقيقة ومن الكمال من غير أن نصل أبداً إلى تلك الحقيقة أو إلى ذلك الكمال. وبالتالي فإن فكرة عدم اللامبالاة، ليست إلا طريقة بسيطة في إعادة توجيه آمالنا وتوقعاتنا في الحياة عن طريق تحديد ماهو هام وماهو غير هام. وتقودنا هذه القدرة إلى شيء أطلق عليه مانسون نوعاً من «الإشراق» أو «الإستنارة العملية»، وقد اعتبرها نوعاً من الإحساس بالراحة تجاه فكرة أن هنالك دائماً قدراً من المعاناة لا يمكن تجنبه، وأن الحياة مكونة من فشل ومن خسارة ومن ندم، ومن موت أيضاً، في نهاية المطاف، تظل الطريقة الوحيدة للتغلب على الألم هي أن تتعلم أولاً كيف تقبل ومن ثم تتحمل ذلك الألم.
فن اللامبالاة، ليس دليلاً يوجه خطاك إلى الطريق الذي تريده أو إلى العظمة، لا يمكن أن يُوجد كتاب مثل هذا. هذا لأن العظمة ليست إلا وهماً في أذهاننا، ليست إلا وُجهة مختلفة نرغم أنفسنا عنوةً على السير نحوها. إنها ذلك الفردوس التخيلي.. الكاذب؛ لن يعلمك الكتاب كيف تواجه الألم، أو كيف تكسب المزيد من المال، أو حتى كيف من الممكن أن تتقبل نفسك، لكنه يعلمك بكل تأكيد كيف تخسر من غير أن تشكل لك الخسارة أزمة وجودية، وربما حينها سوف تتعلم كيف تنظر إلى مافي حياتك فتزيل منها كل مافيها من سقط المتاع ومن سخط محتفظاً بالأشياء المهمة فقط، الأشياء الحقيقية التي تختبىء بداخلك وهي كل ما يمكنه أن يعبر عنك.
** **
- أحمد صالح