كتبت في هذه المجلة مقالة بعنوان «نص الفارابي وقراءة النحاة واللغويين» نشر في العددين 16641 و16648 بتاريخ 5-8-1439هـ وتاريخ 12-8-1439هـ، وقد أشرت إلى سوء توظيف ذلك النص من قبل من قرؤوه فقلت: إننا قد وقعنا بين صنفين من الباحثين: فريق من الباحثين ناقشه مستدلاً به على سوء المنهجية التي وقع فيها اللغويون والنحاة حين قسموا جزيرة العرب قسمة مكانية وزمانية، فاستشهدوا بنصوص وتجافوا عن أخرى، وراح هؤلاء يتباكون على ما فقدته العربية جراء ذلك المنهج الذي انبثق من سوء توظيفهم لذلك النص وقراءتهم الخاطئة له. فالمشكلة ليست في منهج النحاة ولا في نص الفارابي، بل في قراءة النص وتأويله والخلط بين منهجي النحاة في المنقول رواية والمأخوذ سماعاً.
وقسم ثانٍ من الباحثين رجع إلى كتب التراث وبدأ يستظهر النصوص الموجودة فيها والمنسوبة لتلك القبائل التي ورد في نص الفارابي أن اللغويين والنحاة تجافوا كلامهم ولم يأخذوا عنهم، ورجع باللائمة على ذلك النص. وقد اشتغل هذا القسم بإثبات ما توهموا أنه ينفيه وقولوه ما لم يقله، فقد راحوا يثبتون أن كتب النحو ومنها كتاب سيبويه لم يبن فقط على كلام تلك القبائل المذكورة في النص بل على كلام جميع القبائل متصورين أن القبائل المذكورة في النص هي مصدر المحتج به رواية ومشافهة وأخذًا مباشرًا. وقد قلت إن النص واضح كل الوضوح ولا يحتمل ما حملوه ولا ينطق بما قولوه، وليس فيه ما يؤيد المذهبين كليهما، فكلاهما حمل ذلك النص ما لم يحتمل، فالأولون ألحقوا اللائمة بمنهج اللغويين والنحاة والآخرون ألحقوا اللائمة بالنص ومضوا يطلبون له تخريجات من أبرزها حمل القبائل المذكورة في النص على غير المذكورة في كتب اللغة والنحو، أو القول بأن تلك القبائل فصيحة وقد استشهد النحويون بكلامهم وأن الفارابي متوهم لا متحقق. وقد أشرت دون تحديد لبحث أو تسمية لباحث إلى ظهور بحوث اشتغلت بذكر من يتصورون أن النص قد أخرجهم من دائرة الفصاحة، فراحو يثبتون فصاحتهم ويقررون أنهم ممن استشهد النحاة بأقوالهم. وفي تاريخ 16 و23 و30-6-2018م في هذه المجلة كتب الدكتور عبد العزيز الدباسي تعقيبًا على ما كتبت، نُشر في ثلاثة أعداد متوالية. والدكتور عبد العزيز هو أحد من كتب بحثًا يرد به ما قرره الفارابي، فقد نشر في مجلة جامعة الإمام بحثًا بعنوان «قبائل فصيحة وصفها أبو نصر الفارابي بفساد الألسنة.. دراسة نقدية استقرائية». والبحث تظهر مشكلته التي منها انطلق الباحث، وتتضح نتائجه من عنوانه، وأحمد له تعقيبه ذاك لكي يكون النقاش في مثال حي وعن عيان حاضر، فذاك أدعى لاختمار الفكرة ونضوج النتيجة.
** **
- سعود آل حسين