سمر المقرن
من المشاهد التي تتكرر وتلفت نظري عندما أسافر إلى دول عربية أو غربية في إجازة الصيف، هي رؤية طلاب المدارس والجامعات يعملون في المحلات والمطاعم والقطاعات السياحية، وهذا المشهد لا يفوتني عند رؤيته بالسؤال وفتح باب الحوار معهم، فأجد لدى كثير من الدول العربية والغربية ثقافة تشغيل الطلبة في الإجازات. أتذكر أيضاً قبل أكثر من عشرين عاماً كان أشقائي الكبار يعملون هنا في الرياض أثناء إجازة الصيف، لكنني لم أعد أرَى مثل هذه المشاهد، أوحتى أن هذه الثقافة لم تنتشر لدينا بالشكل الكافي.
في الثقافة الغربية يعترف الناس بأن مستقبل الإنسان يبدأ من وظيفته في الإجازة الصيفية، وأن بناء الشخصية الوظيفية ينطلق من هذا العمل مهما كان بسيطاً في شكله أو ربحه، كما أنه عامل مهم في تقليص التدريب على الوظائف لما بعد المرحلة الجامعية، حيث يأتي المتخرج مدعوماً بالخبرات الوظيفية والعملية التي اكتسبها أثناء عمله في الإجازات قبل تخرجه، وكذلك يكون ذا شخصية مؤهلة للعمل ويمتلك ثقة أكبر وقدرة على التعامل أكثر.
بشكل عام، ليس لدينا فقط بل في الثقافة العربية بشكل عام فإن هناك تدنيا على مستوى الطلب والعرض في توظيف الطالبات والطلبة في الإجازات، لكن قد تكون النسبة الأقل في دول الخليج العربي نظراً للحالة الاقتصادية عن الدول العربية الأخرى والتي ينتشر فيها توظيف الطلبة ليس في الإجازات فقط، بل إن الطالب في حالات كثيرة هو من يصرف على نفسه ويدفع نفقات تعليمه، على عكس الوضع المرفه لدينا وتوفير كافة الإمكانات والدعم، فبالإضافة إلى التعليم المجاني هناك في الجامعات الحكومية يتم صرف مكافآت شهرية للطلاب من الجنسين.
أعتقد أن هذه الفكرة، ونشر هذه الثقافة، يحتاج إلى حملات وأنشطة، بالإضافة إلى مبادرات من القطاع الخاص -تحديداً- لفتح أبواب التوظيف الصيفي، والمساهمة في استغلال أوقات الفراغ فيما ينفع بناتنا وأبناءنا، مع نشر أهمية العمل للشباب في الإجازات، وتعزيز المفاهيم الصحيحة لأهمية تطبيق هذه الفكرة، على أن تتحمل وزارة التعليم الجزء الأكبر من المبادرة بعمل اتفاقيات تعاون مع قطاعات التوظيف، ولا يمنع أن تحتسب الوظيفة من ساعات الأنشطة المطلوبة للمقررات الدراسية في المدرسة الثانوية أو الجامعة، لأن هذا سيزيد من الإقبال على الوظيفة. كما أتوقع أن هذه الفكرة سوف تساهم في تشكيل الهوية الوظيفية للشباب باكراً حتى وإن كان مجال العمل الصيفي بعيداً عن تخصصه العلمي، فهذا مجال آخر مهمته هو تعزيز الشخصية الوظيفية للمستقبل، وقضاء وقت الفراغ فيما ينفعه شخصياً وينفع مجتمعه.