زكية إبراهيم الحجي
رغم أن مفهوم التماسك الاجتماعي من المفاهيم المهمة والمشوقة في ذات الوقت إلا أن تداخلات متعددة الأبعاد تحيط بجوهر المعنى الذي عرفناه منذ الأزل ألا وهو الترابط الاجتماعي في شتى مناحي الحياة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً هذا من جهة.. وإلى سلوكيات تعامل أفراد المجتمع مع بعضهم البعض من جهة أخرى
تجدر الإشارة بأن هناك من أرجع مسألة مفهوم التماسك الاجتماعي إلى تعريف فلسفي توافقي يُشير إلى شعور مشترك بين أفراد مجتمع ما يمتطون سفينة واحدة ويقتسمون مصيراً واحداً هو من اختيار الجميع.. تعريف فلسفي غير كافٍ كون التماسك الاجتماعي مفهوم واسع يشمل جوانب عديدة اعتماداً على معطيات مادية وكمية ومعنوية وبعيداً عن أي تمايز أو عنصرية.. أو عصبية أو تطرف يضر بالتماسك الاجتماعي.
المتأمل لواقع عصرنا الحالي وما يدور فيه من مآسٍ وحروب ونزاعات مسلحة يجعله يرثي الحال ويبكي ألماً على فقد الإحساس بقيمة العلاقات الحميمية بين أفراد المجتمع الواحد وتصدَّر «الأنا» الفردية على «نحن» الجماعية.. فهل انتهى عصر الكيانات الكبيرة المتماسكة التي عهدنا وتربينا في أحضانها.. وهل غابت عن أسرنا ومجتمعاتنا آليات الحفاظ على تماسكها؟
لقد أصبحت قضية الحفاظ على التماسك من القضايا المحورية في عصرنا الحالي.. فاهتزاز أركان مجتمع ما أو تفكك نسيج عائلة ما إما بسبب طلاق أو تغيب رب العائلة لفترات طويلة.. كذلك انتشار الفردية وتسيد «الأنا» مع تصدع التفاعل السوي.. الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي وانعزال أفراد الأسرة الواحدة عن بعضها البعض رغم تواجدهم تحت سقف واحد فمن الطبيعي أن هذه العوامل وغيرها كثير يسبب بطريقة مباشرة وآنية شرخاً في تماسك المنظومة الأسرية وبالتالي تعصف تدريجياً بالمنظومة المجتمعية.
عموماً تظل الأسرة مؤسسة ضاربة في جذور التاريخ ذات الدور الحيوي الفعال فهي التي تقوي قدرة الأفراد على الاندماج في مجتمعهم وأن توفر لهم أسس التنشئة الاجتماعية وتمدهم بما يلزم من كفاءات تؤهلهم للمشاركة الفاعلة في المجتمع ثم لا بد من الإشارة إلى منظومة التربية المدرسية ولكن ليس بالمعنى المدرسي الضيق بل التربية طوال الحياة.
إن محددات تماسك المجتمع هي محددات تبادلية ما بين المجتمع والفرد.. والفرد تجاه مجتمعه وتتمثل في إشباع المجتمع لحاجات أفراده كالتواد والأمن والتقدير والثقة المتبادلة.. كمٌ كبير من محددات التماسك الاجتماعي يصعب تناولها في هذه المساحة.. ولكن آمل أن ننهض جميعاً بتقوية تماسكنا الاجتماعي والحفاظ عليه متيناً ليس كمفهوم ولكن كواقع أيضاً.