لا يمكن لشيء تقريباً أن يزعج أحداً من أوروجواي أكثر من تشبيهه بالجيران الأرجنتينيين رغم الشبه بين البلدين في اللهجة والثقافة. لكن لا أحد يخطئهم في كأس العالم لكرة القدم.
وودعت الأرجنتين، التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 40 مليون نسمة، كأس العالم بعد مسيرة شابتها الفوضى حققت خلالها فوزاً واحداً فقط في اللحظات الأخيرة خلال أربع مباريات، وأخفق ليونيل ميسي مرة أخرى في الوقت الحاسم واهتزت شباكها تسع مرات.
وتأهلت أوروجواي، التي يبلغ تعداد سكانها 3.3 مليون نسمة، إلى دور الثمانية، حيث ستواجه فرنسا قاهرة الأرجنتين بعد أربعة انتصارات متتالية من بينها فوز رائع 2-1 على البرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو.
لذا في وجود هذا العدد القليل من السكان، كيف يمكن لمستوى منتخب أوروجواي أن يكون جيداً بهذا الشكل الثابت؟
ومثلما يعرف أي مشجع، لا يعد نجاح أوروجواي ظاهرة جديدة.
وفازت أوروجواي بالنسخة الأولى من كأس العالم في مونتيفيديو عام 1930 ثم فاجأت البرازيل صاحبة الأرض لترفع الكأس مجدداً في 1950 أمام 205 آلاف مشجع وهو أكبر عدد على الإطلاق يحضر مباراة في كرة القدم.
ويعود الفضل في هذا النجاح المبكر بشكل كبير إلى سياسات الاحتواء الاجتماعي المستنيرة. وبينما كان جيرانها في أمريكا الجنوبية يقصرون ممارسة كرة القدم على الصفوة من ذوي الأصول الأوروبية، كان نجم أوروجواي خوسيه أندرادي إفريقي المولد. ولم يفز الجيل الجديد بعد بكأس العالم، لكنه كان قريباً من ذلك. وبلغت أوروجواي الدور قبل النهائي في 2010، وهي أفضل نتيجة لها منذ 1970، والدور الثاني في البطولة الماضية. كما فازت أوروجواي بكأس كوبا أمريكا 15 مرة.
وقال خافيير بوركنزتين، وهو من أوروجواي، في نقاش حول الظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي «هناك العديد من الأسباب، لكن كلها تتعلق بأمر واحد وهو أن البلد بأكمله يتفانى في حبه لكرة القدم».
أكبر معدل نجاح للفرد
وفوق الهوس الوطني بكرة القدم، وهو أمر ملحوظ حتى بالمقارنة مع الشغف في الجارتين البرازيل والأرجنتين، هناك الاستقرار في القيادة.
وعلى سبيل المثال يتولى المدرب الحالي أوسكار تاباريز المسؤولية منذ 12 عاماً ويخوض ثالث كأس العالم خلال تلك الفترة. ويطلق عليه مواطنو أوروجواي لقب «المُعلم». ثم هناك شبكة شديدة الدقة لكرة القدم للأطفال تنظمهم وتبث فيهم الحماس من عمر أربعة أعوام. والأكثر من ذلك تمتلك أوروجواي شبكة متطورة من المدربين لا تخجل من إرسال المواهب إلى أوروبا مبكراً ليستفيد منها المنتخب الوطني لاحقاً.
واتجه لويس سواريز هداف أوروجواي على مر العصور إلى هولندا وعمره 19 عاماً لينضم إلى جرونينجن قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى أياكس أمستردام وليفربول وبرشلونة.
وهناك أيضاً سبب أكثر غرابة، وهو الروح القتالية والشدة التي يُقال إنها تساعد الفريق على اللعب بما يفوق قدراته الحقيقية.
وقال فرناندو ألبرتو، وهو برازيلي زار أوروجواي، وهو يناقش على الإنترنت أسباب قوتها في كرة القدم العالمية «كرة القدم في أوروجواي هي مجرد امتداد لعقلية عدم التخلف عن العالم الموجودة هناك حتى لو كان النجاح مستبعداً».
وأضاف «عدد سكان أوروجواي نصف عدد سكان ريو دي جانيرو. من الصعب حقاً أن نفهم ما هو السبب. إنهم ببساطة يحبون كرة القدم مثلما يفعل قليلون جداً».
وعكس المعتاد، لا تعد أوروجواي أصغر دولة بين 32 تشارك في كأس العالم. وذهب هذا الامتياز إلى أيسلندا التي يناسب تعداد سكانها البالغ 340 ألف نسمة إحدى ضواحي مونتيفيديو.
لكن بينما قد يشعر مشجعو أيسلندا وأوروجواي بأنهم أشقاء في عدة جوانب، فإن فريقاً منهما عاد إلى دياره والآخر سيكون في نيجني نوفجورود من أجل اللعب يوم الجمعة ضد فرنسا.
وإذا كانت المكانة في كرة القدم تقاس بمعدل النجاح للفرد، فإن حتى أيسلندا لا تستطيع الاقتراب من عرش أوروجواي.
وقال لاعب الوسط لوكاس توريرا «نضحي بحياتنا من أجل كل كرة. هذه الدولة صغيرة جداً لكن قلبها كبير».