علي الصحن
تغيَّر وجه كرة القدم، وتغيرت حقائقها، ولم تعد لعبة النجم الواحد، في السابق كان يمكن للاعب سوبر ستار أن يصنع كل شيء، وأن ينجح في قيادة فريقه إلى الذهب أوحافته، واليوم أصبحت كرة القدم جماعية أكثر، وأقرب إلى الصناعة والتخطيط من كونها تقوم على المهارة والمواهب الفردية!!
في المونديال الدائر الرحى هذه الأيام، لم يكن للنجوم الكبار كلمة مسموعة، غاب كريستيانو رونالدو ولم يظهر أحد أفضل ثلاثة مواهب عرفها تاريخ كرة القدم إلا في أولى المباريات أمام إسبانيا، حيث سجل ثلاثة أهداف، ثم هدفا في مرمى المغرب، قبل أن يتوسد هذه الأهداف، ويعجز عن تحقيق الإضافة، فكان الخروج من الباب الضيق، أمام سواريز وكافاني ورفاقهما وخطط صاحب العكاز أوسكار تاباريز الذي عرف كيف يعزل الدون جانباً، ويشل كل مخططات نظيره فرناندو سانتوس، ويقتنص ورقة التأهل لمواجهة فرنسا في ربع النهائي.
وامام فرنسا بالذات كان ليونيل ميسي تائها يتفرج على ما يقدمه الشاب كيليان مبابي في مرمى التانجو، وكالعادة مع ميسي، كانت الأرجنتين تخرج من المنافسة، وعجز الموهوب الذي يقود برشلونة لنجاحات متواصلة منذ سنوات وبدون كلل، عن ترك بصمة له مع منتخب بلاده، ولم يفلح حتى في تكرار ما فعله في النسخة السابقة والوصول للنهائي على الأقل، وهكذا بات من المنطق أن يضع أفضل لاعبين في السنوات العشر الأخيرة العصا دون أن يستطيعا الهش بها في المونديال، والنجاح في تحقيق لقب البطل الذي يتوج مسيرتهما المكللة بكل الألقاب... إلا لقب بطل العالم.
أدرك زلاتكو (كرواتيا) أوسكار تاباريز (الأوروجواي) ومارتينيز (بلجيكا) وستانيسلاف تشيرتشيسوف (روسيا) مثلا أن هناك ما هو ممكن في كرة القدم، وأن قليلاً من التفكير والدهاء كفيل بالذهاب بعيداً في المنافسة فنجحوا حتى الآن في السير بفرقهم إلى ربع النهائي، ومن يدري كيف تنتهي مغامرتهم الجميلة التي أضفت روعة مختلفة على كرة القدم، في المقابل كانت المنتخبات التي وصلت روسيا مثقلة بالترشيحات تغادر تباعاً، هذا فضلاً عن فرق بوزن هولندا وإيطاليا عجزت عن الوصول أصلاً.
لقد تغير وجه كرة القدم فعلاً، فالمكائن الألمانية الهادرة ودعت مبكراً بشكل لم تعرفه منذ العام 1938م، وإسبانيا عادت من جديد لسنواتها التي سبقت عام 2004م لتدور في دائرة مغلقة غير قادرة على الإقناع بأن لديها ما يمكن أن تقدمه، ولا على الإمتاع بما تقدمه على أرض الواقع، وكما أسلفت ودعت البرتغال والأرجنتين لأن مدربي الفريقين لم يؤمنا بإمكانية النجاح وفعل شيء بدون الدون وميسي، فضلاً عن التفكير أصلاً في بديل لهما، وهو التفكير لن يقبله أحد لو خسرا بدونهما كما خسرا بهما.
خروج الكبار يمنح البرازيل التي تلعب بطريقة منطقية لا مبالغة فيها فرصة العودة إلى اللقب المفقود منذ ستة عشر عاماً وضرب رقم قياسي جديد بعدد مرات الفوز بالكأس، والسامبا التي خرجت على أرضها قبل أربع سنوات بشكل مذل، قادرة على العودة والتأكيد أنها وكأس العالم صنوان لا يفترقان، وأن كرة القدم لديها ليست مجرد لعبة أو حضارة فقط، بل أوكسجين تتنفسه البلاد مع أبخرة البن الذي تشتهر به.
فرنسا التي لفتت أنظار العالم وهي تفعل كل شيء في التانجو وتحيله إلى رقصة فاترة على موال حزين، قادرة أيضاً على رش عطورها في ملاعب روسيا وتحقيق الكأس وإعادة ذكريات زيدان من جديد.
خرج الكبار حسب التاريخ، وبقي الكبار حسب العطاء اليوم، ومن يدري فربما ولد بطل جديد، وحمل الكأس فارس لم يحتفل به من قبل.