خالد بن حمد المالك
هي الحياة التي لا يستطيع الإنسان فيها أن يشتري يوماً أو أقل أو أكثر ليضيفه إلى سنوات عمره، بينما هو بماله أو جهده أو غير ذلك يستطيع أن يحقق كل طموحاته في الوظيفة المناسبة والتعليم المتقدم ورصيده الكبير من المال.
* *
هي الحياة التي لا يمكن للمرء فيها أن يرتبط بما يسعده فيها، حيث تجمع بين كل المتناقضات من صحة ومرض، نجاح وفشل، وغنى وفقر، وهكذا دواليك، ولهذا أصبح كل منَّا يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، تأصيلاً لسنوات في عمره يجدُ فيها ما يسره ويسعده.
* *
وهي الحياة أيضاً بكدرها وصفائها، وقلقها وراحتها وجاذبيتها، نستلهم منها الدروس والتجارب والعبر، ونتعلم منها القدرة على مواجهة التحديات، والبعد على المكاره، والقبول عن رضا وإيمان بما لا يسرنا أحيانا، مثلما نقبل فيها بما يفرحنا أحياناً أخرى.
* *
إن أقسى ما في الحياة أن تفقد أباك أو أمك أو ولدك أوأخاك، وأن يودعك الأحباب والأقرباء والأصدقاء، دون أن تراهم بعد ذلك، ففي ذلك يحضر الاختبار الأقسى والأشد للقبول بإرادة الله، والتسليم بما انتهت به مسيرة الحياة لهؤلاء الأخيار.
* *
وهكذا كنا قبل يومين على موعد مع وداع لواحد من هؤلاء الأخيار الطيبين، ممن كان على خلق رفيع، وتواضع جم، ومعشر طيب، وسمات تضعه بين أكثر الناس دماثة في الخلق، وخدمة للآخرين، وحياة جادة ومتميزة بالإخلاص والكفاءة والورع ونظافة اليد والجيب في كل موقع تسنَّمه للعمل في الدولة في بدايات نشأتها الأولى.
* *
الرجل الذي أعنيه، والذي حزنت لوفاته، وتأثرت لأني كنت خارج المملكة حين وفاته، فلم أقم بواجباتي نحوه ضمن محبيه، هو أخي العزيز الأستاذ محمد الصالح العميل، صديق أسرتي، وزميل الدراسة لعدد من أبنائها، ورجل الوفاء والصدق الذي لا يختلف حوله اثنان.
* *
عرفت الفقيد عن قرب بسجاياه ونبله وأريحيته، حين كان مديراً عاماً للتعليم المتوسط بوزارة المعارف، ثم حين أصبح وكيلا لوزارة المالية والاقتصاد الوطني (وهذه مسميات الوزارتين سابقاً) كما عرفته حين أسندت إليه أملاك الدولة بوزارة المالية، وعرفته أكثر على المستوى الشخصي أخاً لا يغيب عن المجالس والمناسبات، بأدبه وتواضعه واحترامه للآخرين.
* *
وعرفته مؤمناً بالله، مخلصاً لربه، صاحب إرادة قوية في الصبر والاحتساب، وفي التسليم بالقضاء والقدر، فقد واجه بقلب المؤمن - ضمن ما واجهه - حين وفاة اثنين من أبنائه الشباب في حادث مأساوي لا يقوى على تحمله إلا مؤمن قوي الإيمان، مسلِّمٌ أمره لله، وهو ما كان عليه محمد الصالح العميل.
* *
رحم الله الفقيد الغالي، وألهم إخوانه وابنه وبناته وأقرباءه وكل محبيه الصبر والسلوان، وجعله - إن شاء الله - في جنات النعيم، ولا نقول إلا: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ .