شريفة الشملان
توفي في إسطنبول 30 الشهر الماضي الأستاذ الدكتور العلامة (محمد فؤاد سزكين) بعد عمر طويل في خدمة التراث الإسلامي. كان منظر وفاء رائع وتقدير للعلم والعلماء أن يحمل نعش الفقيد رئيس الدولة التركية ورئيس وزرائها. وتودعه دولته وداعاً يليق به ومن ثم تجعل العام المقبل هو عام (محمد فؤاد سزكين)..
عندما يكون هناك عام لعالم غزير الإنتاج، عام لا تكفي أيامه ولا ساعاته لتوفيه حقه، ولكن تكريم الدولة لشخصه وعمله وعمره الذي أفناه في البحث عن تاريخ العلوم العربية الإسلامية (سزكين) رائد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، ومؤسس ومدير معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية في جامعة (يوهان؟ ولفگانگ گوته) في فرانكفورت.
ولد في مدينة بلطيس بتركيا، وفيها درس الابتدائية والثانوية وكان في نيته دراسة التكنولوجيا في جامعة هلمنت، إلا أن أحد أقاربه أخذه للمستشرق الألماني (هلمونت رتز) الذي غير حياته وبعث للتراث الإسلامي من يكنس الغبار عنه، تراث من مختلف العلوم والصناعات ومنها صناعة الآلات التي وجد شرحاً لها لكنه لم يجد رسوماً توضيحية فأخذ على عاتقه رسم الآلة ومن ثم تصميمها فعلياً من خلال ملحق في معهد تاريخ العلوم الإسلامية.
بدأ (محمد فواد سزكين)، بدراسة اللغة العربية حتى أجادها إجادة تامة وأصبح يتكلم مع أساتذته بها. وواصل دراساته حتى نال الدكتوراه عام 1954 كانت أطروحته بعنوان (مصادر البخاري).. في نفس العام عين أستاذاً في جامعة إسطنبول، وكان همه نشر تاريخ المسلمين الحقيقي، ونشر أبحاث ودراسات عنه، وهي علوم تتعلق بمختلف العلوم من رياضيات وفلك وصناعات. وهمه إعادة الثقة للعالم الإسلامي الحديث، مع بيان تأثر الغرب بها، بمعنى أن إنتاج الحضارة الغربية قام على أسس من الحضارة الإسلامية، ولو تطلعنا لبعض العلوم نراها تستخدم الأسماء العربية قد يكون بها شيء من التحريف وذلك قد يكون مرجعه تغير اللغات، مثلاً الخوارزميات.
في عام 1961م اختار ألمانيا موطناً وجامعة فرانكفورت مقراً لعمله وبحوثه، وبكل جهد عمل على دراسة وتدريس ونشر الثقافة العربية الإسلامية، لكنه بعد فترة وجد أن الجامعة لا تحقق طموحه، فبعد عامين أخذ في إصدار مجلدات عن التاريخ العربي الإسلامي في مختلف العلوم من طب وهندسة ورياضيات وجغرافيا وغيرها من مختلف العلوم، حتى بلغ عددها اثني عشر مجلداً.
كانت فكرته تأسيس معهد دولي لدارسة هذا التراث والبحث عن القواعد الأساسية لمختلف العلوم البشرية التي نهضت عبر الأزمنة الذهبية للعالم الإسلامي.. ولأنه بحاجة للتمويل فكان أهم من يموله، بل واجب عليهم هم العرب والمسلمون، كما تبرع المحبون والمنظمات الدولية وحصل على تبرع من أربع عشرة دولة، أما الكويت فقد تبرعت ببناء بتأسيس المبنى المناسب قرب الجامعة وتجديده بالشكل الذي يلبي متطلبات المعهد.
في عام 1982م تأسس المعهد العربي في ظل جامعة فرانكفورت، قدرت ألمانيا كل ذلك ففي نفس العالم منحه رئيس ألمانيا وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.
في عام 1978 كان أول شخص يتم منحه جائزه الملك فيصل لخدمة العلوم الإسلامية.. وبعده بعام حصل على جائزة گوته من مدينة فرانكفورت.
لعل الأتراك يشعرون بفخر كبير لكون هذا العلامة منهم، وفخر للصناعات الإسلامية لأنه من أعاد صناعة الآلات عبر معهده..
لقد استحق هذا العلامة (سزكين) التكريم حياً وميتاً واستحق أن يرفع اسمه فوق الرؤوس كما أن يرفع نعشه على أكتاف رئيس الدولة ورئيس وزرائها.. وحقاً له أن نكتب عنه وهو أقل الإيمان؟