د. خيرية السقاف
لأن المرأة أحشاء للنبتة، محضن للميلاد، ساعدان يحملان، ويهدهدان، وقلب يخفق ويمنح، وثدي يدر ويطعم، وعينان تتلهفان لملمح، وحِجرٍ يروِّض الإحساس، يُمكِّن الوجدان، يهيِّئ الإدراك، يُربي الذوق، يؤسس الخُلُقِ، يكوِّن الفضائل، فإنها مناط بدء الإنسان منذ زفرة القدوم، ومناط خاتمة النتيجة..
حياة المرء حصاد هذه الأحشاء، وهذا المحضَنِ قدْراً كبيراً..
لكنها ليست مسؤولة على الإطلاق عن عفاف كل البشر، ولا عن سيِّئاتهم أجمعين، فمذ يدب المرء عند استطالة قدميه، واستلامه مقود عقله، وبوصلة اتجاهه يتفرّد بخصائصه..
وعندها {ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فلكل امرئ بعدئذ ما كسبت يداه، فعقله الذي يميزه عن بقية الخلق هو ما سيُنتج خياراته، ويحكم اتجاهاته، ويشكّل صنيعه، فإن ثبت طَهُر، وإن تراوح أسرفَ..
إنما هي كالمزارع يُسقي، ويبذر، ويعنى بزرعه، لكنه ليس مسؤولاً عن كمائن خصائص كل النبات فيه، مع أنها في الغالب سوف تكون مثله تحصد ثماراً طيبةً، ما قويت الجذوع، وورفت الأوراق..
المرأة في الهدير المحيط بها، يبقى عليها أن تَعْنى بمن في أحشائها، بمن في محضنها، بمن يلوذ لغذائها، وكفيها، وعينيها، وساعديْها، وقلبها الذي هو ذاته، الذي هو «كبدها التي تمشي على الأرض»!!
في معمعة خليط طاحونة الوقت، وهي تعبر أنفاق عصرها، وبريق الأخذ من سواقيه، وتلتحف بلمعة البروق التي تغمرها، وتمضي فوق ليونة ممشاها ربما تغفل عن هذا الذي سيمشي على الأرض حين تنطلق قدماه، ولا يبقى له من الزاد إلا ما بنت به دخيلته، وزرعته في كمونه..
إنها بهذا تمنح ضميرها البراءة، وتمنحه فرصة الانتشال من تيه ضعفه البشري حين مقاومته تيار الطاحونة التي تدور بها دنياه، إن عزم على ذلك!!..