د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** يوقظنا الحلمُ أكثر من الحقيقة فنلجأُ إلى من يُعبِّره كي نجتاز المسافة الفاصلة بين المحسوس والمجرد وبين المُعاش والغائب، وقد نجد فيه إجابةَ ما لم نسأل ووعيَ ما لم نعش وحكايات ما لم نقل، وروى «نجيب محفوظ» -في أخريات حياته- مائة وخمسين حلمًا صدرت عام 2004 في كتاب «أحلام فترة النقاهة» فحكت جانبًا مختلفًا من سيرته، ومرَّت أزمنةٌ تصدر بها المفسرون واجهةَ الحدث، ولم يعنِنا إن كان «ابنُ سيرين» قد ألَّف كتابه أم نُحل عليه -وهو الأرجح- فالأهمُّ -في مسار الحالم والحلم- مرجعيتُه التي صارت قاسمًا مشتركًا بين الأجيال من لدنه حتى لدنَّا، ولا ضير من التعلق بالحلم لمن لا يسعفه واقعُه بما يُخرجه من الركون إلى بؤسه ويأسه، ولا عزاءَ لذوي الأحلام القاتمة ممن لا يأنسون بصباحاتهم كما لا تأسوهم المساءات.
(2)
** يَخلصُ الحوار حول النصِّ إلى اشتراك الأفهام الخاصة في حق تفسيره حتى ليبدو القارئُ أحقَّ به من قائله، ومع تعدد القُراء والقراءات يتيه المعنى وإن بقي المبنى، ويثور الجدل بين من لا يملكون فيه حرفًا ولا يحملون إِلفًا، ويغيب صاحبه عنه لا لكي يغرق في منامه ويدعَ الساهرين يختصمون -كما المتنبي- بل لانتفاء دوره في حضرة راسخي التأويل والتعليل، وربما وقع الاختلاف حول المقول في حياة القائل أو بعد رحيله، ولا جدال حول شرعنته ما دام نصًا بشريًا يتولى رعايتَه من لا ينتسب إليه بعد ما مات -حقيقةً أو مجازًا- مؤلفُه، لكن الإشكال في المجترئين على النص المقدس إذ يسومُ تفسيرَه عارفٌ وهارف، ويتصدى لتوثيقه صدوقٌ ودعيٌّ، ويتناظر بسببه مؤمنٌ به ومتشككٌ حوله.
(3)
** بين «الحلم والنص» يضطرب إيقاعُ الفهمِ أو حقِّ الفهم، والوعيِ أو تلبس الوعي؛ فكلاهما ممتلكٌ مشاعٌ يتداخل فيه من شاء إلا صاحبَه الحقيقيَّ، ويتحاكم الجميع أمامهما «النص والحلم» وفقًا لرؤاهم المسكونة بخلفياتهم المعرفية وانتماءاتهم العقَدية وحدودهم التي يضعونها أمام أفكارهم، وفيهم من لا يرى حدًا ولا يُطيقُ صدَّأ، والمتابعُ يلمسها في حوارات منتشرة قد يحول بينها وبين بعضنا فراغاتُ الوسائط الرقمية وإلهاءاتُ قضاياها الهامشية وتخليقُ التصحيف وبثُّ التسطيح بين الجيل الشاب ومن يسايرهم في ركاب الوسوم والتدوير والمناشير والمشاهير.
(4)
** لا بأس في أخطاء تعبير الأحلام مهما تعدّت أو تعددت لاقتصارها على فرد أو جمعٍ محدود، لكن أخطاء تفسير النصوص المقدسة خطايا تمسُّ ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، ولعل من الأجدى دراسةَ جناية المفسرين الذين شوه كثير منهم النصوص الأصلية فأفرغوها من مبانيها كما معانيها، وصرنا أمام مرايا متنافرةٍ لا تعكس جمال النصوص وجلالها، وليس أقسى من بناءٍ «محكمٍ» يقطنه «المشتبهون»؛ فليمضوا إلى الأحلام كما يشاؤون وليدعوا المقدس لمن يراه يقظة ويعتقده إيقاظا.
(5)
** للمقدس مُطهَّرُوه.