د. فوزية البكر
(واحة حضارة ومشعل ثقافة وأدب، يعكس الهوية الحضارية والإرث التاريخي للسعودية، عبر منصات تفاعلية وتجسيد لمشاهد عربية لحياة الشعراء ولتناثر القصائد بين الأسواق التاريخية ومزادات العرب، وقوافل التجارة بين الشام واليمن).
هكذا كان التقديم لسوق عكاظ الذي ستستمر فعالياته التي بدأت في 13 شوال حتى 29 شوال 1439هـ الموافق 27 يونيو إلى 13 يوليو 2018م، بتنظيم مشترك من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وهيئة الثقافة وجامعة الطائف بالتعاون مع إمارة المنطقة ممثلة بسمو الأمير خالد الفيصل الذي رعى حفل الافتتاح في نسخته الثانية عشرة.
وتضمن البرنامج الثقافي (10) ندوات ثقافية بدأت من اليوم الثاني بعد الافتتاح في الخيمة الثقافية التي ترعاها جامعة الطائف و(8) ورش عمل، و(3) أمسيات شعرية، ومسابقة للعروض المسرحية، ومسابقة للفنون الشعبية، وذلك بمشاركة عدد كبير من المثقفين والأدباء والشعراء السعوديين والعرب.
وقد كان لي الشرف أن أكون ضمن المشاركين والمشاركات في فعاليات هذا السوق التاريخي الكبير بدعوة كريمة من جامعة الطائف للمشاركة في الندوة الرئيسية التي ترعاها الدولة المضيفة جمهورية مصر العربية تحت عنوان: (التنمية الثقافية: تحديات الحاضر وتطلعات المستقبل) والتي شاركني فيها قامات عظيمة من دولة مصر الحبيبية، وكان على رأسهم سعادة الأستاذ الدكتور أحمد حجاب وسعادة الدكتور سعيد المصري الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر وسعادة الدكتورة سحر الشريف وبإدارة من الدكتور إيهاب مصطفى.
وكنتيجة للعناية التي توليها مؤسسات الدولة للمسرح كان له في سوق عكاظ نصيب الأسد، حيث يشهد السوق ثلاثة عروض مسرحية ضخمة بمشاركة أكثر من 250 ممثلاً مسرحياً أغلبهم سعوديون. ولأن الحدث يتعلق بسوق عكاظ التاريخي، حيث كانت القبائل تجتمع فيه كل عام يتفاخرون فيه، ويحضره الشعراء، فيتناشدون ما أحدثوا من الشعر، ثم يتفرقون باعتباره أعظم أسواق العرب وفخرها، لذا كانت المسرحية الأولى باسم «شعراء المعلقات» وتحكي عن النابغة الذبياني وامرئ القيس ولبيب بن ربيعة وعنترة بن شداد، وغيرهم من شعراء المعلقات حيث بلغ عدد الممثلين بالمسرحية ما يقرب من 80 من الممثلين والفرسان، و20 فارسًا، بالإضافة للمحاربين والعشرة الشعراء الرئيسين المشاركين.
هذا كله بالطبع إلى جانب جادة عكاظ الرئيسية (وهي المنطقة التي تقام فيها الفعاليات وتبعد عن مدينة الطائف حوالي أربعين دقيقة) والتي تضم كل ما قد يخطر على بالك من حرف وصناعات وفنون شعبية تقدمها فرق منوعة من شتى مناطق المملكة مع أنشطة جديدة ضمتها نسخة سوق عكاظ الجديدة التي تركز على استعراض حياة بعض الشعراء العرب منهم عمرو بن كلثوم، وزهير بن أبي سلمى، وامرؤ القيس، وطرفة بن العبد، والأعشى، وقس بن ساعدة، فضلاً عن عروض للأسواق التاريخية ومزادات العرب. كل هذا متاح لكل مواطن بمبلغ رمزي بسيط لا يتجاوز 10 ريالات ليقضي المواطن والمقيم يوماً كاملاً من الرابعة وحتى الواحدة ليلاً متنقلاً بين أرجاء الجادة ليقتطف تراثاً هنا ومسرحاً هناك وموسيقى تصدح في الأرجاء ومناخات إيجابية تحيط الجميع من منظمين ومتطوعين ومشاركين.
تكاتفت جهود كافة الجهات المنظمة لرعاية حدث طويل المدة (أسبوعين) بما يتضمنه ذلك من استقبال للضيوف والمشاركين من السعودية وخارجها وتتبع تفاصيل وصول الضيوف وإقامتهم واحتياجاتهم وتنظيم شؤون الفرق المختلفة لتقديم ما لديها بطريقة مرضية. عبء كبير حاولت الجهات المنظمة جهدها أن تقدم ما تستطيع، لذا فهذا الحدث التاريخي يستحق منا كل تقدير لما يعنيه لنا في منطقة الجزيرة العربية ولما يعنيه لمدينة الطائف تحديداً والتي حباها الله بأجواء مناخية خلابة ستعيدها كما كانت في السبعينيات قبلة للمصطافين من شتى مناطق الخليج لموقعها الجغرافي المتميز من حيث قربها من مكة وقربها من بحر جدة وتمتعها بمناخ جبلي خلاب وخضرة تعم الأرجاء ليؤكد ما قيل عنها بأن الطائف قطعة من بلاد الشام لفاكهتها الطازجة (تين، برشومي - رمان، توت) وغيره بالطبع مما لم نتمكن كمشاركين وضيوف من التمتع به فلم نرشيئاً من هذه المدينة الجميلة ولم نتذوق أكلاتها الشعبية ولم يتح لنا زيارة الهدا والشفا أهم منطقتين فيها وبقينا أسرى داخل الفندق حتى موعد المغادرة. لماذا؟
لأننا في تنظيمنا لمهرجاناتنا ومؤتمراتنا لا نولي الجانب الاجتماعي والسياحي أهمية فيسقط عفواً من البرنامج فلا يتمكن الزائر الملهوف من التعرف على الطابع الشعبي التقليدي للمنطقة التي يزورها مثل زيارة قرى وجبال الطائف وتذوق سليقها المشهور والتمتع بجمال مناخها الطبيعي إضافة إلى التعرف على المشاركين من بلدان مختلفة مما قد يحمل معه شركات علمية أو أدبية أو فنية في المستقبل.
نعرف أن الجهات المنظمة مجتمعة بذلت الكثير من المال والجهد والمتابعة والتنسيق لتحقيق أهداف المهرجان وتبقى أشياء صغيرة ربما يعتبرها بعضهم تفاصيل لكن ما يبقى في ذاكرة الضيف فعلاً هي هذه التفاصيل.