أمل بنت فهد
بين صورة قديمة وصورة حديثة تتغير معايير الموضة التي تحدد جمال المرحلة، فإذا تمعنت في صورك القديمة، أو في صور قديمة تلمس شيئا من الانزعاج، أو السخرية من أسلوب الملابس أو قصات الشعر، أو مكياج المرأة، كأنها مرحلة انعدام الذوق، مع أنها في حينها كانت رمزاً للجمال والرقي، و «الكشخة» في أجمل صورها.
لذا فإن صورنا اليوم قد تكون مثاراً لسخرية الأجيال التي ستكون بعدنا دون شك، سيرون فيها انعدام ذوقنا، كما شعرنا اتجاه الأجيال التي سبقتنا، هذا ما يحدث في عالم الموضة، ويمنحنا معانٍ أعمق عما يحدث للإنسان، الذي يتبجح بأنه مستقل في تفكيره، ورغباته، بينما هو ليس كذلك.
فالموضة تمثل التبعية في أبسط صورها، وهي قصة قصيرة بطلها مصمم أزياء ذكي، وجمهور مستعد لنفخ أرصدته ليشتري أفكاره ويقتنيها، ويفاخر بها، وهكذا مرة بعد مرة، يلاحقه الغني والفقير، بالأصلي والمقلد، في سباق نحو الاتباع.
لست ضد الجمال، بل ضد محاولة حصر الجمال في مقاييس محددة، لأن الجمال لا يمكن حصره، ولا يمكن تحديده، لأنه يخضع للرغبات الشخصية، والأمزجة، والأذواق حين تذعن، فإنها تقود الإنسان للتشابه، والتشابه خلل في الطبيعة وليس قاعدة.
ما أعظم الإنسان الذي يستطيع أن يقوم تبعية الموضة، ويتحداها بفعل ولبس ما يمثل رغبته، ويستطيع أن يظهر للعالم دون أن يفكر أو يتحرج من الاختلاف، يصنع أسلوبه الذي يمثله، وليس أسلوب الجماعة.
الموضة تدخلت في كل شيء، حتى في ملامح الوجه، وبات أغلب من خضع لعمليات التجميل متشابهين حسب الموضة الدارجة!
أصبحت خيارات الإنسان مربوطة بالدارج، وموضة المرحلة، وليست خيارات نابعة من قناعاته، بل فقد حس الاختيار، وبراعة الانتقاء.
وإذا صادف أن ظهر أحدهم بما يناسبه، وتمرد على هوس الموضة، فإنه في نظر المتشابهين لا يفقه من الذوق شيئاً! تلك معادلة مخزية، لأن الاختلاف جوهر الكون كله، وليس التشابه والتطابق الذي ابتدعه الإنسان في سبيل سيطرة الواحد على الجمع، والسيطرة على الجمهور.
الموضة، الهبّات، بكل أشكالها، طريق يرسمه واحد، ويركض فيه البقية، والمستفيد صاحب الطريق، بينما البقية حقل تجارب.
هنيئاً لمن صنع ذوقه بنفسه، ذوق يمنحه متعة خاصة به، ويعرف لماذا اختار، وكيف يختار، هذا الإنسان سوف يستمتع بكل لحظاته، لأن متعته تنبع من داخله.