عبده الأسمري
عندما تغيب الحقائق وتتغيّب الواقعية تتشكّل حالة معتمة من الأسوأ وتهيمن صورة قاتمة من التضليل والتأويل..
هنالك قطب مستديم بين طرفين يتعلّق بالحقيقة والوهم يسير الناس بينهما متأرجحين بالاتجاه إلى الحق أو نحو الباطل.
بعض الأمور التي تتعلّق بالزيف والتضليل قد يصل الوصف فيها بتعمق لتدخل في محيط «الشعوذة الخفية» لذا علينا أن نعلم أن بيننا مشعوذين لم يتعلّموا الشعوذة من دروس السحرة أو الكهنة ولم يخضعوا لتدريب يتعلّق بالتمتمات والتمائم والطلاسم ولكنهم انساقوا وراء صناعة التضليل المجتمعي، بل وأمعنوا في تلفيق التهم وفي تغيير الواقع وفي تحويل مسار الإثبات وفي جذب الآخرين إلى دوائر السوء وتفننوا في إلحاق الأذى بالغير والاحتيال عليهم بعد إسقاطهم في بؤر الضياع..هؤلاء يتشبثون بآرائهم يتعلّقون بكذبهم يتفننون في إشاعة التدليس ويمارسون دورهم في الخيال والاحتيال.
الشائعات تستحل المجتمع وتدخل إلى أعماق الأسر.. والاتهامات تُشاع أكثر من الإثباتات نظير العمل المستمر لمؤججي الباطل وسدنة الكذب وكهنة السوء.. والسوءات تحول الثبات إلى نتيجة غير صحيحة تظل خاضعة للترقب تحت مجهر تائه بين سيطرة الصراع وطغيان التشتت.
مع كل قرار ومع كل تحول وحين التطور أو الجديد في المجتمع نرى المشعوذون المتخفون بين ظهرانينا يمارسون الدور بخفية يثيرون الافتراء بإمعان وإتقان يشوّهون صورة الدلائل بنزغات الذاتية الطاغية.
ليس هذا فحسب فلو درسنا الظواهر الاجتماعية لوجدنا أن هنالك شعوذة اجتماعية تخطت حاجز المألوف في ظهور أجيال غير مسؤولة وارتفاع حالات الطلاق والفشل الدراسي والتفكك الأسري والعنف وتفشي تعاطي المخدرات وظهور بعض القضايا الجنائية وسوء مخرجات التربية وظهور حالات لا تمثّل وجه المجتمع الحقيقي وغيرها.
ولو تعمقنا إلى تفاصيل أسباب كل ما سبق لوجدنا أن المسألة تمر بمراحل فعندما تكون هنالك ظاهرة معروفة الأسباب وبالإمكان التغلب عليها أو خفض معدلاتها ومع ذلك لا تزال في تزايد علينا حينها أن نبحث عن ظهور شعوذة اجتماعية يقوم بها أطراف السوء في المجتمع من أصحاب الوشاية والنفاق ومن الحاسدين والحاقدين، وكذلك من الفارغين الذين لا هم لهم سوى حياكة التضليل بكل صوره وأصنافه عندها سنرى أن هنالك ضحايا لهم يدورون في حلقة مفرغة وأن هنالك من يتجه بنفسه إلى دوائر الأخطاء رغماً عن التحذيرات مما يوحي إلى أن ما كان يحاك من التضليل في بادئ الأمر تحول إلى شعوذة احترافية تجذب الساذجين وتغري اللاهثين وتسقط السماعين المتورّطين في «تبعية» تعميم التجارب وتشرب حيل الإسقاط .
أصعب الحيل وأقواها على الاستمرار هي تلك التي تحتل عمق الأسر وتستحل العقول وتبقى في مسارات المشوار بعيد المدى رغماً عن سقوط «الضحايا» لأنها خارج نطاق العبر وفي منأى عن مساحة الاعتبار..
سيطر التضليل كثيراً فرأينا من اعتنق الفكر الضال وشاهدنا من وقع في الخيانة الوطنية ولمسنا من تشابهت وتكاملت تصرفاته الشخصية والاجتماعية والأسرية مع سلوكيات الحمقى والمجانين كل ذلك بسبب ارتمائه في غياهب «الخرافة» ومدارات «الدجل».. هذه شعوذة اجتماعية تقتات على عقول فارغة وأنفس منساقة نحو التصديق الوهمي. التضليل المجتمعي تحول إلى تنافس للمشعوذين الاجتماعيين الذين استغلوا التقنية وربطوها بالتلفيق فاوجدوا مئات الحيل الموجهة إلى أصحاب الفكر المحدود.
الظواهر تتواصل والشعوذة الاجتماعية ماضية لإسقاط العديد من المنساقين وراءها والذين سينتهي بهم المطاف حتماً ليروا أن ما سمعوه وتعلقوا به كان سراباً للتضليل... نحتاج انتفاضة اجتماعية لوقف ذلك على أن يكون هنالك تنوير في كل الاتجاهات لمنع التضليل بكل أنواعه وتنقية المجتمع من المشعوذين اجتماعياً في كل جنباته ولا بد من نشر ثقافة الرقي وعدم الانسياق وراء خزعبلات وخرافات الفارغين والاعتماد على ثقافة ذاتية تقوم على أسس التفكير والسلوك القويم.