كثيراً ما أشفق على حال المقرّبين من الكُتَّاب، من أم وأب إلى أخوات، وصديقات، وحبيبات. فلو كنت مكانهم لما اخترت أن أحب كاتباً، يسحبني تارة إلى جنته، وأخرى إلى جحيمه. فأن تحب كاتباً يعني أن تبتهل إلى الله في أن يمنحك صبر أيوب، على النيران التي سيشعلها بك والجليد الذي سيغطيك به، على تقلّب أحواله النفسية، الشائكة مع بعضها، والتي تقف في كل مرة أمامها، عاجزاً، مستاءً من سوئها المتزايد، مع كل مرة يجن فيها، ما إن يرى بياضاً، فارغاً، من الكلمة التي تحشر نفسها في أعماقه فتخنقه، وتخفي معها جزءاً من ملامحه، إن لم تجد ورقة لها.
يعني أن تعي جيداً، وتتقبل بصدق، العوالم التي تستمر في الولادة والموت داخله، واختلافاتها التي ستدور وتدور بعقلك، نوبات الهلع التي تجتاحه وتحتاج منه الكتابة والكتابة ثم لك، عمق الصدق وقوة الصراحة وحقيقة الحقيقة، السبات الذي يغيب فيه روحاً وقلباً وعقلاً، الكم الهائل من المشاعر والمتضاعفة عن حجمها الطبيعي، لكل ما على الأرض وفي السماء وخلف الستار، والتي قد يخبئها أحياناً تحت غطاء اللا مبالاة، الخرافات التي يؤمن بها، والقواعد التي يسير على نهجها، والعادات الغريبة التي يمارسها، والوعود التي يقطعها ويستمر في قطعها، والطقوس التي يصنعها لتصنعه، والكثير الكثير، من الأشياء الغارقة في مكنون المعنى، والتي لن تراها، أو تسمعها، أو تشعر بها، وتعيشها إلا مع كاتب، يرقص للحياة، والموت، في الآن نفسه .
فالكُتَّاب، كوكب في وسط مجرة من مجرات الكون، له مقومات عيش، لا دخل لها فيما نخبره من مقومات على أرضنا، ولهذا كانت الشفقة حق على من قرّر حط الرحال عليه، والخوض فيه وما فيه، من غير علم مسبق أو محاولة في ذلك، بفضول وجهل مصاحب! وما كتب هنا في ظنك من شفقة على المقرّبين وعتاباً على الكتّاب، ليس كما صوّره لك عقلك منذ القراءة الأولى له، فأعد القراءة وابحث جيداً عمَّا خلف جمل الشفقة والعتاب!