محمد آل الشيخ
يبدو أن الأمريكيين جادون في إقتلاع نظام الولي الفقيه في إيران من جذوره؛ والسؤال الذي يتم تداوله في أغلب الأوساط السياسية الدولية: كيف سيكون السيناريو لهذا الاقتلاع؟.. الأقرب هو إنقلاب الحرس الثوري علانية على المشهد السياسي الإيراني، ودفع الملالي للمقاعد الخلفية، فالذي يحكم الأوضاع الأمنية في أغلب المحافظات الإيرانية هم كوادر الحرس الثوري المتوارين عن الأنظار خلف عمامة الولي الفقيه، وإذا تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والأمنية أكثر، يُرجح كثيرون أن يتولي جنرالات الحرس الثوري بأنفسهم السلطة، ويحكمون بشكل مباشر، دون مواربة، وتصبح إيران دولة ذات نظام عسكري صرف؛ فلا أعتقد أن مؤسسة الحرس الثوري وجنرالاتها سيفرطون في السلطة، والهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي مهما كانت التبعات.
السيناريو الثاني أن تؤدي العقوبات الاقتصادية التي سيفرضها الأمريكيون، وانهيار أسعار العملة، إلى حرب أهلية، تتفكك بعدها إيران إلى عدة دويلات إثنية وطائفية، كما حصل في يوغسلافيا. فالذي لا جدال فيه أن الملالي من خلال سياساتهم الحالية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وتهديدها بمعاقبة كل الشركات التي ستتعامل مع النظام الإيراني، ستؤدي إلى خنق إيران، ولا يبدو أن حكومة الملالي سترعوي، وتتعامل مع وضعها الاقتصادي الخطير بعقلانية، الأمر الذي يجعلها قاب قوسين أو أدنى من التفكك ثم السقوط؛ صحيح أن هذا الانهيار قد يتأجل قليلاً، لكنه في ظل الظروف التي تكتنف العلاقات الإيرانية مع الأمريكيين، وإذعان الأوروبيين، فلن يبق لإيران إلا روسيا والصين والهند، روسيا يبدو أنها تريد التخلص فعلاً من الحلف الإيراني الذي كان قد اقتضته مصلحتها بتدخلها لنصرة الأسد، أما الآن فإن روسيا على ما يبدو قلبت لهم ظهر المجن، وتجد في الوجود الإيراني على التراب السوري إحراجاً لها مع إسرائيل، التي هي في سلم الأولويات الروسية تأتي قبل الإيرانيين، إضافة إلى أن الدبلوماسية السعودية النشطة، وخاصة فيما يتعلق بالطاقة، والتحكم في سوق العروض النفطية، جعلت الروس يشعرون أن مصالحهم الاقتصادية تتطلب التنسيق والتعاون مع المملكة، وغني عن القول إن أيّ تقارب سعودي روسي سيكون على حساب التعاون الروسي الإيراني. كما أن الاستثمارات النفطية السعودية الضخمة في السوق الهندية، وكذلك الصينية، سيجعل هاتين الدولتين التي تعتمد عليهما إيران في تسويق نفطها، تعيد حساباتها بما تقتضيه مصالحها لا مصالح إيران.
كل هذه العوامل التي ذكرت آنفاً، ستزيد من اختناق إيران، وتجعل أوضاعها الاقتصادية، وبالتالي الأمنية أسوء مما هي عليه الآن، ولن يبق في يد الإيرانيين إلا التحمل، ومحاولة شراء الزمن، على أمل أن تنتهي فترة رئاسة الرئيس ترامب، وتأتي فترة ما بعد ترامب، برئيس أمريكي ليس في شدة وقوة وحسم الرئيس الحالي، وكل المؤشرات المتوفرة الآن تقول إن الرئيس ترامب سيبقى لقترة رئاسية ثانية، أي أن العقوبات ستستمر ولن يكون في مقدور الملالي قطعاً التحمل أكثر؛ هذا على افتراض استمرارهم، ولم ينقلب عليهم جنرالات الحرس الثوري، كما هو السيناريو الاقرب، ويقصونهم عن المشهد.
وفي تقديري أن سقوط سياسات الملالي التوسعية والطائفية من شأنه أن يغير الأوضاع الإقليمية تغييراً جذرياً، وهذا على ما يبدو أن الأمريكيين مقتنعون به.
إلى اللقاء،،،