نجيب الخنيزي
لعبة كرة القدم تمتلك في بعض أوجهها خصائص اللعبة الديمقراطية الصرفة أو المثالية، رغم صعوبة تحقيقها (الأخيرة) على صعيد الواقع العملي الذي يتسم بالتعقيد والتغير وتداخل وتأثير مراكز الضغط والقوى المالية والسياسية والدعائية والإعلامية إلى جانب عوامل أخرى التي تحدد إلى حد كبير فوز هذه الجهة أو تلك.
على هذا الصعيد نجد أن فرص الفوز أو الخسارة في مباريات كرة القدم المحلية أو الدولية متساوية وغير محسومة سلفا بغض النظر عن كون الدول المنتمية إليها متقدمة وغنية، أو نامية وفقيرة، ففي دورة أولمبياد موسكو 2018 لدور 16 على سبيل المثال، خرجت منتخبات قوية سبق لها وأن فازت بالكأس الذهبية لدورات عدة مثل ألمانيا. في حين لم تتأهل الولايات المتحدة قط للعب في أية دورة أولمبياد منذ عام 2008، كما فشلت المنتخبات العربية (السعودية ومصر والمغرب وتونس) من الصعود إلى هذا الدور وهو ما يستدعي المراجعة والمحاسبة لأوجه التقصير على الصعيدين الإداري والفني.
تعتمد كرة القدم على اللعب والتنسيق الجماعي والعمل بروح الفريق الواحد رغم تقسيم العمل (دفاع وهجوم وحارس مرمى) والذي يحدده مهارات ولياقة اللاعبين فقط وليس أي اعتبارات أخرى.
تعمل المنتخبات الوطنية على تعزيز الانتماء والولاء الوطني، كما تحظى بعض الأندية والمنتخبات العالمية بتشجيع ودعم من قطاعات واسعة من الناس متعددي الانتماءات العرقية والدينية والاجتماعية، وأتذكر هنا قيام ابنتي سارة وزوجها محمد بزيارة إسبانيا لمدة أربعة أيام وذلك لحضور إحدى مباريات ناديهما المفضل ريال مدريد.
بطبيعة الحال لا نغفل ما يشوب لعبة القدم من ممارسات سيئة وخطيرة كأعمال العنف والهيجان الفوضوي في الملاعب وخارج الملاعب، والتي تعتبر إحدى أدوات التفريغ عن المشاعر القومية المتطرفة، أو للإلهاء والتفريغ عن المكبوت الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بل سبق وأن خاضت السلفادور وهندوراس حربا حقيقية في عام 1969 في أعقاب مباراة بين منتخبي البلدين.
النظم الاستبدادية والفاشية والديكتاتورية بدورها عملت على توظيف الرياضة وكرة القدم خدمة لمصالحها الضيقة.
لا شك أن كرة القدم على غرار السينما والموسيقى والمسرح تمثل إحدى أشكال التسلية والمتعة الروحية، والتحايل على مشاعر الاغتراب والتهميش والتشيؤ الذي يجتاح الإنسان المعاصر تحت وطأة القوانين الرأسمالية المتوحشة، وبفضل ووسائل الاتصال المتقدمة، بات بإمكان مباريات كرة القدم أو غيرها من الأحداث الرياضية أن تصل إلى ملايين المشاهدين، لتخلق مجتمعاً من متابعي ومحبي هذه الرياضة، والذين يتقاسمون المشاعر والمعلومات والخبرات ذاتها، في الوقت ذاته، والذين باتوا يشكلون جمهوراً يتخطى الحدود الوطنية إلى العالمية.
غير أن تسليع كرة القدم واحتكار البث الفضائي للمباريات خلق فجوة وتراجعا في اتساع حظوظ المشاهدين وخصوصاً من الفئات الفقيرة.
لقد باتت اتحادات الرياضة والدول المتواطئة معها تخدم أصحاب المال بالدرجة الأولى، ففي كأس العالم لكرة القدم وأولمبياد 2016 في البرازيل، والتي قدّر بأنّها أدّت إلى تهجير 1.5 مليون برازيلي من منازلهم، من أجل إنشاء البنى التحتية اللازمة لإقامتهما. وقد علقت صحيفة الغارديان (26 أبريل 2011) على ذلك بقولها «لقد وصلنا إلى النقطة التي باتت فيها المؤسسات «الرياضية» الرأسمالية عدوّة للإنسان».