د. أحمد الفراج
لم يكن يدر في خلد سيف الإسلام القذافي، عندما أقنع والده معمر بالعفو عن السجناء السياسيين، بما فيهم أعضاء تتظيم القاعدة، وعلى رأسهم عبدالحكيم بلحاج، أن هؤلاء المعفو عنهم سيصبحون وقود تثوير ليبيا، عندما تحالفوا مع حمد بن خليفة، ونيكولا ساركوزي وإدارة أوباما، على تدمير ليبيا، وما حصل في ليبيا كان من أعجب أشكال التثوير، فعندما قام تنظيم الإخوان في ليبيا، بزعامة الوزير الذي خان القذافي، مصطفى عبدالجليل، بالتحرك في بنغازي، كان معمر مذهولا من هذه الجرأة، وواثقًا أنه سيسحقهم خلال فترة وجيزة، فهو يحكم قبضته على ليبيا، ويحكمها بالحديد والنار، ولم يكن يعلم، ولم يتخيل، أن صديقه حمد بن خليفة كان يتسامر معه ليلا، ويخطط للانتقام منه نهارا، أو لم يتحدث معه عن مؤامرته لإسقاط المملكة!، ولذا ظهر معمر بشكل جنوني، لأن حجم المؤامرة كان أكبر من كل خيالاته.
عندما تحركت قوات القذافي نحو بنغازي، وكادت أن تصل إلى معقل المتآمرين هناك، تنبّه الغربيون فجأة!، وخافوا على حياة هذه الأرواح البريئة الثائرة!، فانهمرت صواريخ باراك أوباما من اللا مكان على قوات القذافي، فقد تم إطلاق مائة وعشرين صاروخ كروز خلال فترة وجيزة، دفع حمد بن خليفة ثمنها عدًّا ونقدًا من فوره، ثم بدأت طائرات حلف الناتو تضرب بقوة، فلا يوجد من هو أحرص على نشر الحرية والديمقراطية من الغرب!، وكانت قناة الجزيرة تؤجج الشعوب العربية، ويظهر على شاشتها مفتي الناتو، يوسف القرضاوي، واصفًا ضربات فرنسا الجوية بالغزو المبارك، ثم زادت حماسته، فأصدر صكّا بدخول الجنة لمن يقتل معمر القذافي، وكان حمد بن خليفة حينها قد وضع علامة (اكس) على صور الزعماء الذين ساهم بإسقاطهم، زين العابدين بن علي وحسني مبارك، ويمسك بقلمه فوق صورة القذافي!
علمنا لاحقًا، بعد أن تبينت خيوط المؤامرة، أن طائرات قطرية كانت تنقل السلاح إلى ثوار بنغازي، ولا يمكن أن ننسى صورة القاعدي عبدالحكيم بلحاج على شاشة قناة الجزيرة، وهو يرتدي البدلة العسكرية، التي ربما تم تفصيلها من خياط حمد الخاص، والعجيب أن الشعوب العربية المخدوعة كانت تصفق لضربات الناتو في ليبيا، وهي ذات الشعوب، التي كانت تبكي دما أثناء ضرب العراق، ولو لم تكن الشعوب العربية مصابة بالصمم، لتذكرت تلك المحادثة الموجزة، والتاريخية، التي لم يلتفت لها أحد، ناهيك عن أن يعلق عليها، والتي جرت في شهر مارس من عام 2003، بين السيد ريك اتكنسون، الصحافي بالواشنطن بوست، والجنرال، ديفيد بترايوس، قائد القوات الأمريكية التي احتلت العراق، وهي المحادثة التي أشار إليها الكاتب الأمريكي الشهير، جورج ويل، في مقالة شهيرة، نشرت في جريدة الواشنطن بوست في 9 فبراير، 2011م.
يقول السيد ويل إن اتكنسون سأل بترايوس قائلا: «إلى أين سينتهي هذا كله؟»، يقصد غزو العراق، فأجابه بترايوس بأربع كلمات لا أكثر، ولكنها كانت كلمات ملغومة، إذ قال: «ثماني سنوات وثمانية تقسيمات!»، وسنواصل الحديث عن مؤامرة العصر!