د. صالح بن سعد اللحيدان
يقع الخلاف كثيراً في كثير من المفردات اللغوية والعلمية حول ما ترمي إليه من معنى أو معانٍ وكذا يقع الخلاف في الأماكن وظروف الوقائع بين جيل وجيل وعالم وعالم وزمان وزمان وفقه المستجدات حريٌ بها أن تكون كذلك وهذا معتبر في السياقات العلمية العالمية في كثير من الدول التي تتبنى الإضافات النوعية في مجالات كثيرة خاصةً ما يوحي منها إلى زيادة نباهة العقل وتحرره من رابطة الانكماش وسط عالم يعيش من خلال قرية واحدة كما هو مشاهد في هذا الحين وهذه واحدة تشهد على قدرة الله، كما قال تعالى (والله خلقكم وما تعلمون).
ومن هنا أحاول تلمس حقيقة الزمان لغوياً وعلمياً مع ما يوجبه هذا من دلالات الاستشهاد.
من هذا المنطلق أقول يراد بالزمان ما يلي:
1/ زمن: وقت.
2/ زمن: ظرف ما.
3/ زمن: يراد به الدهر على وجه مقارب.
4/ زمن: حسب القرينة فقد يراد ساعة أو يوم أو ليلة.
5/ زمن: حال ما من ظرف معين على سبيل الوقت.
6/ زمن: «بكسر الميم» حال أو صفة من المرض وغالباً إنما يكون الزمن «بتشديد الزاي وكسر الميم المقعد».
وقد اشتهر الإمام محمد بن خازم روى له البخاري وغيره بهذا كما اشتهر الإمام مكحول بهذا ومثلهما الإمام الجليل محمد بن المثنى روى له كثير من المحدثين «ثقةٌ ثبت».
تقول: أتيتك زماناً تريد منذ مدة.
وتقول: أتيتك من زمان تريد منذ مدة بعيدة.
وفي الاعتبار اللغوي السائر عند أئمة اللغة يدخل هذا الفعل المضارع والماضي كذلك، فيقال:
1/ آتيك زماناً.
2/ وأتيتك زماناً.
كما يجري فعل الأمر على هذا المنوال فيقال:
أقبل زماناً.
تقول العرب (مر علينا زمان خير) أي: وقت أو دهر.
وتقول: (ذاك زمان فضل).
وأصل الزمن من باب الخلق الكوني أنه ظرف يعيشه الإنسان وسواه إلى حين.
وخالق الزمن هو الله جل وعلا وهناك فرق من باب المنطق العقلي الجيد بين الإيجاد من لا شيء وبين الكشف والاختراع.
وأغلب الظن أن المادية الجدلية التي أخذت بعض آرائها من المعتزلة واطلع ماركس على كثير منها في مكتبة ليدن في هولندا وكذا مكتبة النمسا القديمة أغلب الظن أنهم ينظرون من زاوية واحدة وبرأي واحد ووجهة واحدة قد تلبي الغرض الذي ينشده من خلال الإسقاطات اللا شعورية.
والذي أسفت عليه كثيراً أن سلامة البحيري ويوسف زيدان ومحمد شحرور وإن لم يكونوا كذلك لكنهم يخضعون التفسير والآراء لمنهج علمي جديد ليس فيه من العلم إلا كلاقطة الحصى من مكان ليس بذاك.
أقول عودٌ على بدء والزمن كما مر مقدار من الوقت بحسب كل أحد وبحسب كل شيء ولذلك فإن انشتاين في حقيقته النسبية الزمنية والضوئية.
قد أجاد في هذا المجال لولا أنه ضيق أفق النظرية ولهذا تم انتقاده خلال الأربعين سنة الماضية مما أظهر أن الإنسان من خلال ضعفه قد يظن أنه اكتشف كل شيء لكن انشتاين يبقى جيداً في مجاله.
والله عز وجل خلق الخلق واقدارهم وآجالهم كلٌ بحسب معلوم ولهذا يكون الجهل العلمي مشكلة العقل المعاصر كما كان مشكلة منذ أقدم العصور وذلك حينما حرف أرسطو وأفلاطون كثيراً من تعاليم موسى وحكمته التي جاءت في الصحف فأصبحت أثينا في حين قديم ذات طابع مادي برأي آحادي وهذا إنما كان بسبب طغيان النفس على العقل الحر والسطو الذكي إلى منهج يخال صاحبه أنه هو من جاء بما لم يكن من قبل.
ومع أن هذا قد كان إلا أن فرضية الإمكان تجعل من النفس مخادعة للعقل فقد ظن الناس خلال دهور متعاقبة بل إلى اليوم أن الحكمة والرأي إنما جاء بهما طراً أفلاطون وأرسطو بينما ذلك إنما كان من رسالة موسى -عليه السلام- بقص ولزق في حال وضوح تام لمن اطّلع على كتاب (الجمهورية).
وأقول من نافلة الطرح العلمي التقعيدي إن القضاء والقدر آيتان على حكمة الله وتدبيره.
والقضاء والقدر يختلفان فليس كما يظن كثير من طلاب العلم والمثقفين وذوي التحقيق العجول، فليس القضاء هو القدر ولا هذا ذاك، وقول العامة في كل ما حصل أو يحصل (قضاء وقدر) هذا جهلٌ بسياسة النص والآثار وما ترمي إليه من معانٍ من خلال وقوعها عبر الزمن من خلال حياة الإنسان والحيوان والأرض.
وإذا كان الزمن أو الزمان هو ظرف كل أحد فهذا الظرف المحدود يدور بين القضاء والقدر، والحق أقول إن تقديم العقل برابط التنبه الإيرادي التحرري من مشكلات التقليد القرائي وضعف التلقي وضعف الاطّلاع هذا يكون مدعاةً إلى مكانك سر وهذا هو الانغلاق في عصر الانفتاح في مثل هذا الحين.
وهذا يدعوني إلى القول على سبيل البسط فأذكر من باب الاختصار أن القضاء وما قضاه الله تعالى على خلقه ولكن الله تعالى أعطى الإنسان فيه الاختيار والأخذ والترك وعليه بترتب الجزاء في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى (قال يا قومي أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتني رحمة من ربي أن لزمكموها وأنتم لها كارهون) فكونهم يكرهون أو يحبون أو يقومون أو يقعدون أو يقبلون أو ينكرون فهذا بإرادة منهم لأنهم استعملوا العقل على أساس ضيق من خلال رؤية الحياة فقط وحب الحياة دون رابط من عقل سديد.
إذاً فكل ما يقدر عليه الإنسان خلال زمانه أو خلال زمن محدود ثم هو لا يقوم به يكون إثماً.
ولهذا زل نجيب محفوظ في كتابه (أولاد حارتنا) في كثير من الحوارات وإن كنت أعذر محفوظ إلا أن الأولى أن يستجيب لدواخله التي تدعوه إلى ضبط الرواية بضابط العقل وبشيء من العاطفة وبشيء من القلب على وتيرة الطرح المتين حتى تكون الرواية أو القصة على سبيل جيد من واقع مهيب ومثله فعل إحسان عبدالقدوس وكذلك فعل توفيق الحكيم في كتابه (حماري قال لي) وهو هنا قد أسفّ كثيراً ولم يرتبط برابط الطرح الروائي أو الحدث القصصي وإن كنت اعتبر ما كتبه هو وكثيرون عبارة عن آراء وخواطر إلا أن الزمن الذي كان تدور حوله هذه الحكايات والخواطر قد تم ليه ليّاً دون تنبه إلى أن النقد سوف يتبين منه حقيقة ما تم في حينهم الذي قاموا به في زمن قليل.
وأما القدر فهو ما كان على الإنسان دون اختيار منه ولا حيلة لهم في هذا خلال زمانه في حياته.
فمثلاً كونه ولد أعمى أو ولد أعرج أو ولد كفيف البصر أو أسود أو أبيض.
فهذا لا يترتب عليه جزاء لأنه قدر وكان لا يد للإنسان فيه.
ولهذا فالقضاء والقدر أمران مختلفان لكن الجهل العلمي لجهل الاستقراء والتدبر ومعرفة أصول التقعيد وحقيقة رؤية العقل المجدر جعلت هناك خلطاً بين القضاء والقدر ولهذا فإن العقاد –رحمه الله تعالى- عن (الإنسان والقرآن) قد خلط وإن كان معذوراً لبذل الجهد والتحقيق صوب هذا لكنه قد كان بإمكانه على الأقل السؤال قبل طرح الكتاب ولهذا وقع في الزلل لعله دون قصد منه.