علي الخزيم
استدعى البروفيسور موظفاً بمكتبه يُعَد بالنسبة له صغيراً؛ والقى اليه كلاماً معطراً بالنصح والإرشاد والتوجيه الابوي، لمجرد ان هذا الموظف بدأ يكثر من الاستئذان للانصراف اثناء العمل، او التأخر بالحضور صباحاً، واكد له انما هو ناصح له لئلا يؤثر ذلك على مستقبله الوظيفي، ولاحظ ان الشاب اثناء الحديث لا يقدم ما يشفع له؛ فسأله ان كان لديه ظروف خاصة؟ فانفرجت اسارير الشاب وشكره على اتاحة الفرصة التي لم يسبقه لها أحد بالإدارة، وشرح له اسباباً إنسانية تتعلق بأحد افراد اسرته تضطره لذاك السلوك الوظيفي، وباختصار عمل رئيسه العاقل الناجح على مساعدته بقدر الإمكان!
هذا الاجراء الإداري العقلاني من رئيس العمل ينبئ عن تجربة إدارية وخبرة عملية كافية لوصفه بالناجح، وعكسه مسئولين تنقلوا بين أروقة المسؤوليات غير انهم لم يكتسبوا - لقصور بهم - ما يشفع لهم بالنجاح والفكر القيادي، فإذا لم ينجح الانسان بإدارة الاعمال الموكلة إليه وتَنَقُّله بعدة أقسام علَّه ينجح ولو مرة، ثم لم يثبت قدرته على الإدارة ولا بالعمل ضمن فريق عمل جماعي؛ هنا يكون الحكم عليه بانه اداري مُنَفِّر للموظفين غير مُحفز لهم على الابداع والابتكار.
أتذكر هنا بعض المواقف والحالات الحقيقية بين موظفين ومديريهم، كقصة الموظف البسيط الذي قدم دعوة لرئيسه بالعمل (يحمل درجة علمية عليا بتخصصه) يأمل حضوره حفل زواجه، فقذف ببطاقة الدعوة وهو يقول: (ما باقي الا انت تدعيني لعرسك، انا احضر عرس امثالك) ؟! ثم أني احذرك من الآن بالحرص على الانضباط والجد بالعمل، ولا تظن ان هذه الدعوة ستجعلني اتغاضى عنك!
وعكسه الموظف البسيط الآخر الذي دعا الرئيس الاعلى بالمنشأة لزواجه، ليتفاجأ باستدعائه من مكتب ذاك المسئول قبل ايام من اجازته للزواج، ليبلغوه اعتذاره عن حضور مناسبة الفرح، وانه يقدم له هدية الزواج، فشكرهم وأسرع لمكان عمله ليفتح المظروف فيجد آلاف الريالات.
وموقف المدير الذي لا يرتاح لموظف بدائرته ويظهر ذلك من تعامله معه، لكنه لا يهضم حقه ويُعبِّر له عن حسن افكاره ويتقبل كثيراَ من اقتراحاته ويتم تنفيذها، وصارحه المدير بانه لم يكن يرتاح له غير انه بدأ يتقبله، واضاف: ان ليس بيني وبينك سوى أجواء العمل وان اجتهادك سيقابل بالعرفان، فانصرف راشداً لعملك يوفقك الله.
ومدير عجيب السلوك بالإدارة قبل تقاعده، ومن ذلك انه اغلب ايامه يأخذ التوقيع بالحضور ثلاث مرات باليوم، حتى وهو مسافر بمهمة او بإجازة يُخاتل الموظفين باتصالات او يوعز لأحدهم بأخذ الحضور بالبيان المكتوب دون علم المدير المكلف.
ويشابهه مدير حضر للدائرة اثناء اجازته لأخذ أوراق خاصة من درج مكتبه، ومن فضوله قرأ بعض المراسلات التي كتبها المدير المكلف بقرار من الرئيس الأكبر، فمن صلفه وغروره مزق الأوراق وهو يقول: لا يصدر من (ادارتي) مثل هذه الخطابات، فانا قد مَيَّزت ادارتي بالصرامة وقوة المخاطبة فانا لا استجدي احداً!! (لو طبقت معايير الإدارة لرأينا تحولاً كبيرا).