د. جاسر الحربش
لن يهبنا أحد وطناً بديلاً، وليس باستطاعتنا ولا في نيتنا اقتحام وطن آخر، الاحتمال المعاكس هو ما يجب علينا توقعه ومنعه. ضاقت الأوطان بأهلها وأصبحت مواسم الهجرة واللجوء مفتوحة على الموت في البحار وعلى الحدود، ولا تستبعد محاولات اقتحام الجوعى لأوطان الشابعين.
نحن معجونون من تراب هذه الصحراء بسواحلها ورمالها وجبالها منذ كانت جرداء طاردة في الماضي والحدود مع الجوار مفتوحة. الآن أصبحت صحراؤنا جاذبة تعيل اثني عشر مليون نفس فوق سكانها الأصليين، وحدودها ليست محكمة الإغلاق حتى الآن، والحدود حدود قارة مفتوحة على بحار وجبال تغري بالتسلل.
الرؤية العلمية المستقبلية تتنبأ بجفاف عالمي، والآن بدأ الموت بالعطش بالفعل في بعض أجزاء الهند، وبالجوع في الحدود بين ميانمار وبنجلادش وفي السواحل الإفريقية. لن نكون بمأمن من الجفاف، بل نحن أكثر الشعوب تعرضاً له، والتكاثر السكاني واضح، ولا بد من حلول علمية للتعامل مع الصحراء لجعلها أكثر قابلية للاستثمار الزراعي، علاوة على التحصين الدفاعي.
تُجرى في مختبرات العالم أبحاث رائدة على اختبار عجائن ولدائن نانوية التركيب تخلط بالتربية الصحراوية فتثبتها ضد الرياح وتقلص احتياجات الري الزراعي فيها إلى عشرة بالمائة فقط. نحن في أمس الحاجة إلى هذا العلم الجديد أكثر من تلك الدول التي تجرى فيها التجارب والأبحاث رغم بعدها النسبي عن المشاكل الصحراوية.
توجد كذلك أبحاث على بذور محاصيل غذائية تنتج غلات أكثر من البذور الطبيعية وتقاوم الآفات والجفاف بخصوصيات جديدة، ونحن أيضاً أكثر حاجة إلى هذه الأبحاث والتجارب من الآخرين.
الانفجار السكاني المفتوح على الإنتاج البشري اللا محدود، خصوصاً في الأسر الأقل تعليماً وتدريباً يشكل إحدى المشاكل للتعامل المائي والغذائي مع المستقبل، وهذه مشكلة يجب أن تدار بطرق علمية وشرعية تخدم الحياة والبقاء.
يوجد عندنا عبث تجاري انتهازي في التعامل مع المياه الجوفية في الصحاري الجرداء، ويجب أن يتوقف هذا العبث وتنقل الأنشطة الزراعية حسب نوع المحاصيل وأهميتها إلى المناطق الأكثر قبولاً لها والأكثر أهمية للأمن الغذائي والمائي.
باختصار، توجد حاجة ماسة للتعامل مع مستقبلنا في صحرائنا الأم بطرق علمية وثقافية معيشية تختلف عما مضى، مما يحتم علينا التركيز في الأبحاث العلمية والاستثمارات الفكرية على هذه الأولويات، والله لا يضيع أجر من أحسن العمل.