عبده الأسمري
لحضارة الشعوب مقومات ولنهضة المجتمعات دعائم تتربع الثقافة على رأس هرمها حيث تظل ميزانا يرجح كفة الرقي ويرفع مستويات التقدم.
سعدنا كثيرا بإنشاء وزارة للثقافة وهي الجهة التي ستكون منبعا لتصدير الأدب ومصدرا لإنتاج المعرفة.. فلقد أمضينا عقودا وقضينا دهرا ونحن في سجالات التصنيف ومراشقات الذاتية وخلافات الأضداد الفكرية..
معالي وزير الثقافة... قدمت إلى الوزارة ولديك ميدان واسع ستضع فيه الخطط وستقف خلف غرف عمليات التوجيه وبين خطط التأسيس موجهًا أول ووجيهًا أمثل لتشكيل الوزارة ورسم خارطتها المثالية..
المساحات بيضاء تنتظر خطوطًا واضحة والخارطة مفتوحة لرسم الحدود.. لديك الأدوات لرسم الخطط وترتيب الأوراق.. جئت على وزارة أولى خالية من حرس قديم ينتظرون الرضا.. قدمت بلا شلة تلاحق الفلاشات دلفت لوزارة وليدة لها وقع التأثير ولديها توقعات الأثر.. جئت ولديك الأمر الملكي الذي وضع الثقة عنوانا لك والصلاحيات بيدك توظفها في إطارات الهوية السعودية التي تعد الثقافة وجها أصيلا لها..
معالي الوزير.. الثقافة تحلم بالتطوير والمثقفين حائرون منذ زمن بين الجمعيات والأندية الأدبية سائرون في دروب موزعة بين المناسبات المكررة والأمسيات الروتينية.. يفرحون كثيرا بجوائز تقديرية تأتيهم من حوالينا بينما جوائزنا تحت «تحكم» جهات خاصة وأفرادٍ أو جهات تقدمها كيفما اتفق باستثناء الجوائز الكبرى المدعومة من الدولة التي تتخذ صفة الثبات والعالمية.
مر زمن يا معالي الوزير والمثقفين يموتون كبدا وكمدا بعضهم داهمته الأمراض وبات لا يملك ثمن دوائه وآخرون استغاثوا بالرفقاء واستعانوا بالأصدقاء فكانوا تحت طائلة «مد اليد» التي لا تليق بمثقف وأديب ملأت أفكاره جنبات الوطن وآخرون لا يزالون يتجرعون «ألم التوجس» من مستقبل غامض.. رغم أن القيادة الرشيدة تنقذ البعض منهم بأوامر العلاج ممن يصل صوته ولكن القابعين خلف قلة الحيلة يعانون وسيظلون متأرجحين بين غياب «الدعم» ومماطلات الحلول.. آن الأوان يا معالي الوزير لإنشاء صندوق دعم للمثقفين لتلمس حاجاتهم والتماس مطالبهم.
معالي الوزير درسنا مناهج وجاءت خلفنا أجيال تحشى عقولها بالحفظ المؤقت لمناهج تبرأت من الثقافة.. فكيف لنا أن ننشئ أجيالاً واعية بدون ثقافة.. نتطلع تنسيقا عاجلا مع وزارة التعليم لإيجاد مناهج تختص بالثقافة وتهتم بالأدب إضافة إلى أقسام متخصصة بالجامعات فقد أوجدت أقسام لغات أجنبية وتم تجاهل أقسام للثقافة السعودية أو الأدب الوطني أو الثقافة والتراث أو الثقافة والأدب.. لأننا بحاجة إلى خريجين وخريجات يكونون ثمارًا يانعة من نبات أفكار وزارتكم الميمونة.
معالي الوزير تمتلئ مدن الوطن بفعاليات موسمية ودائمة لكل أنواع الأنشطة حتى وإن كان للثقافة جزء منها فتظل مكررة تتجاهل «القراءة» والخط العربي والتأليف نتطلع إلى مهرجانات كبرى على مستوى الوطن تخص «القراءة» حتى يتحول مجتمعنا إلى مجتمع عاشق للقراءة مسكونًا بالفكر بعيدًا عن مشاهد «القراءة الموسمية» أو القراءة العابرة في ردهات المكتبات العامة المكتظة بالقدم» التي تعمل بنظام المواسم وتغلق أبوابها وكأنها محلات تجارية!!
لدينا مثقفون وأدباء نقارع بهم الأمم وننافس بهم فلول فلاسفة أوروبا وحكماء إفريقيا ولكنهم في إطارات محددة ويعانون التهميش فلماذا لا يكون لهم دورهم ونشاطهم ومكانتهم؟ ولماذا لا يتم إنشاء مراكز ثقافية كبرى تهتم بإنتاجهم وتوثقه وتنقله للعالم حتى لا نقتصر العالمية في دائرة الترجمة الخاصة المقتصرة لمؤلفات محدودة إلى لغات أجنبية بجهود فردية دون مردود وطني نفخر به.
معارض الكتاب تظاهرة سنوية مميزة نجحت في إعداد صورة حية للإنتاج الثقافي ولكنها تحتاج إلى التطوير وإلى الابتكار خصوصا في الفعاليات والتثقيف والإنتاج.
مناشطنا الثقافية تحتاج إلى ثورة أدبية يصاحبها تنظيم وتخطيط فعلي حتى تكون مدننا عواصم للثقافة الخليجية والعربية فلدينا مقومات كثيرة ومتعددة ولكنها متخفية أو تعاني الركود نحتاج إلى انتفاضة ثقافية حتى نلامس العالمية فقد تغير الوقت وتبدل الحال ولا بد أن يسايره تغيير في الفكر وتبديل في الرؤية.
هذا غيض من فيض يا معالي الوزير. وجزء يسير من الهم الثقافي والمسؤولية الأدبية والتطلعات الفكرية.. بين أيديكم وتحت ناظريكم.. وهي تطلعات وأمنيات ليست بمنأى عن واقع مفترض يفرضه مستقبل واعد ويتنبأ به حاضر موعود.