د.عبد الله بن سالم الزهراني
هذا مثل يجسد لك واقعاً صحيحاً، يكتشفه الإنسان دائماً في الحديث والمناقشة، يتجسد في النقاشات الحادة، يتجسد في الكتابات، يتجسد في التصرفات والسلوكيات. الإناء قد يكون مملوءاً عسلاً وقد يكون ماءً زلالاً، وقد يكون مملوءاً بمحتويات ملوثة عفنة وغير ذلك مما تشتهي ومما لا تشتهي ومما تود ومما لا تود.
هذه هي الحياة.. نحن ملزمون أن نتعامل مع كل إناء بما فيه وبما يستحق. نستفيد أحياناً كثيرة ونتأذى أحايين أخرى. نضطر أحياناً إلى رمي الإناء بما فيه وأحياناً نحاول تنقية ما فيه. وأحياناً نحاول تغيير ما يحتويه وأحياناً يكون الإناء من النوع الذي يصعب تبديل ما فيه أو تنقيته ويصبح ميؤوساً منه فيوضع جانباً وفي حالات أخرى قليلة يكسر الإناء. هذا هو حال عقلياتنا كبشر فكراً وسلوكاً، متنوع ما تحتويه وبما تنضح به.
بالأمس دخلت في اشتباك حواري على صفحة في الفيس بوك.. كان موضوع الحوار هو تصويت المملكة للولايات المتحدة وكندا والمكسيك لاستضافة كأس العالم للعام 2026 وليس للمغرب الشقيق. رأيت ضحالة فكر وسطحية ثقافية وسير مع القطيع لا وعي ولا دراية ولا تحليل ولا منطق لدي الكثيرين المحاورين. رغم أن من لها الصفحة تتمثل فيها ثقافة عالية وفكر سياسي. رأيت ألفاظاً في غاية القبح والفجر والفحش تجاه المملكة ودول الخليج. حاولت صاحبة الصفحة ردعهم وتهديدهم بحذف تعليقاتهم لكن دون جدوى. عندها صار مما كان منه بد. حاولت بكل الهدوء الذي يخطر على البال والألفاظ المنتقاة المريحة للنفس أن إبدي وجهة نظري وأغير من حدة الهجوم. لعلي نجحت مع القليل وتفهم، ولكن الغالبية لم تكن تنطق ألسنتهم وتخط أيديهم سوى القبح والقيح الذي تمتليء به صدورهم. كان لا بد من التصدي لهم بالرد بقسوة لكن لا مجاراة لقبحهم وإنما اشتقاق مما نضح به وعائهم. أحيانا تتجاهل السفيه وهذه هي القاعدة العامة (إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت) لكن حتى لا يمتد تظليل السفيه لآخرين فإنه يجب عدم السكوت، بل الرد والرد بما يستحق. عرفت أن كثيراً من هؤلاء على الصفحة (كثرة القلة) من بلاد المغرب العربي وهذا تعاطف مع المغرب الشقيق. لا إشكالية عندي في ذلك التعاطف على الإطلاق، ولدول المغرب العربي كامل احترامي وتقديري.. من حقهم أن يعلقون ويبدون رأيهم تجاه تصويت كأس العالم للعام 2026م وسياسة التصويت.. من حقهم التساؤل لماذا ليس التصويت للمغرب والسعي إلى البحث عن الأسباب والمبررات.. بدلاً من ذلك أطلقوا العنان لأقلامهم على الفيس بالقذف والسب وإطلاق ألفاظ سوقية على شعوب دول الخليج. لا أعمم في ردي على فرد من أية دولة على شعوب دولهم كما يفعلون بل أخص ذلك المسيء دون التطرق لمواطني دولته بإساءة -لا سمح الله- فلا تزر وازرة وزر أخرى.
يجب عدم السكوت والرد على كل بما يستحق والرد المنطقي في أي قضية ومحاولة الإقناع.. السكوت لا يفيد مع نوعية من البشر، بل يستحق ان تلقمه حجراً.. لا يجب استمرار قبح نظرة البعض إلى أننا جدار قصير يسهل القفز عليه. هناك من لا يفهم قدراتنا الثقافية والعلمية وقدراتنا السياسية التي تسعى للحوار والتفاهات لحفظ أمن وطننا. هناك من ينظر إلينا على أنه لا بد أن يشاركنا في نتاج أرضنا دون مقابل. يجب أن ندرك أنه لا بد أن تتغير سياسة المنح دون مقابل. هذا لا يعني عدم تقديم مساعدات وهبات ودعم لكن ليس كل الدعم كما كان من قبل. نحن في دول الخليج نؤكل ونذم. من واجبنا في دول الخليج أن نتعاون مع كل الدول العربية بكل وضوح وشفافية بما تقتضيه المصلحة لكل الأطراف وألا يمن أحد على أحد. التعاون واجب تقتضية الأخوة والمصير الذي من المفترض أن يؤكد عليه دائماً بأنه مشترك.
من حقنا على أشقائنا الوقوف معنا في قضايانا المؤكد عدالتها التي تهدف إلى حماية الاستقرار ليس استقرار دول الخليج لوحدها ولكن للوطن العربي كافة. حق الرد على المسيئ مكفول للجمع في أية دولة. دامت ألسنتكم ناطقة بالجمال والحق والعدل والبعد عن فحش القول وسوء اللفظ.