أحمد المغلوث
ليس في حياتنا كلها أعمق وأكثر أصالة من التعبير عن الفن. حياتنا بين الشد والجذب بين عمل اليوم وأمنيات الغد وأحلام الماضي، حياتنا هذه تمضي سريعة بلهاء وتافهة لا طعم لها ولا قيمة إن لم نسجلها لحظات يانعة من الأشواق ونرسلها نغمًا يهمس للسائرين سر الطريق ليفتح هناك عند الأفق البعيد نوافذ النور، سر حياتنا إذن أن نعبر عن حياتنا، أن تربط الحركة والكلمة والرغبة بذلك الخيط العميق في النفس السعودية الأصيلة، وأن يعيش فناننا لا للأنا بل للكل؛ ليشترك مع غيره فيعرف بعدها لآماله وصراعه في الحياة معنى وأن لأمنياته صدى.. وأنه ليس وحيدا حين يحب وحين ييأس وحين تهزه نشوة الفوز وحين تحزنه مرارة الفشل.. هنا يعرف الفنان نفسه ويرتبط بالمعنى الإنساني العام الذي يجعل من المجموعة كُلاًّ يريد أن يبني ويشيد.. ومن هذا كله اكتسب الفن خلوده وقوته.. وكانت الأعمال الفنية على اختلاف ألوانها أعمالاً باقية ما بقيت الحياة حية.. ما عاش الناس؛ لأنها تذيب الزمن في معنى وتجعل من أمسنا ويومنا ومستقبلنا كُلاًّ يرتبط بذاتياتنا في الحياة.. ومن هنا كان فهمنا لرسالة الفن الذي هو تعبيرنا عن حياتنا بالنغمة والكلمة واللوحة.. والذي هو صلتنا بالمعنى الإنساني الخالد عن طريق هذه اللغة.. لغة الفن.
ثم لماذا الفن دائما يبتعد ما أمكن عن أن يكون وسيلة لغاية أخرى هي مهما عظمت وكبرت أتفه من أن تكون شيئًا إلى جوار ما للفن من غاية تقف بذاتها فوق كل الغايات. إن إدراك هذا المعنى وفهمه يجعلنا نشعر بمسؤولية الفنان أمام نفسه وضميره ومسؤولية الناقد للأعمال الفنية أمام القارئ والمجتمع.. ومن ثم مسؤوليتنا جميعا أمام الفن.. المسؤولية التي تبعد الغرض وتبعد المجاملة.. المسؤولية التي تقدر وتؤكد أن الفن دون التمكن الكامل من أدائه ووسيلته لا يعتبر فنا.. وأننا ينبغي أن نرتبط بواقعنا الحقيقي إن كنا نريد أن نعبر عن واقعنا الفني تعبيراً حقيقياً.. بمعنى أن نرتبط بتراثنا الثرى إن كنا نريد أن نسهم في إثراء هذا التراث لعلنا نريد بعد هذا من فنانينا التشكيليين أن يثروا حياتنا بإنتاجهم وأن يقبل جمهورنا على مشاهدة أعمالهم.. ولعلنا نريد كل هذا وأكثر من هذا لأننا نعرف أن فننا قبل كل شيء منهم وإليهم.. وأنه غاية لا وسيلة وهدف لا طريق.. وهذه هي رسالة فننا، وفننا التشكيلي وفي عهد وزارة الثقافة يطمح ويتطلع للكثير من الاهتمام وحتى التقدير بعيدًا عن الشللية والعلاقات، وأن يتم اختيار من يشارك في المعارض الدولية من لهم تجربة «ثرية» وأعمالهم التي اقتنتها المتاحف العامة والخاصة في العالم تشفع لهم بأن يكون لهم مكانًا في المعارض الخارجية. نحن لا نقلل من شأن الفنانين الآخرين لكن يجب أن لا ننسى فنانينا الرواد الذين أثروا حركتنا النشكيلية منذ بداياتها في التسعينات الهجرية بأعمالهم ولوحاتهم وحتى بأوقاتهم. والفنان التشكيلي الحقيقي هو قبل كل شيء رجل ثقافة لكنه لا يملك عصا سحرية يلوح بها في وجه الواقع على أمل تغييره إلى الأفضل بدون أن يكون وراء ذلك دعمًا وتقديرًا.
لقد حزنت كثيرا عندما كنت أقرأ أن بعض فنانينا حرقوا لوحاتهم لعدم الاهتمام بها. وكم يؤلمني أن نجد عدم اهتمام الجهات المختصة أن تجعل من ضمن أولويات تجميل إدارات ومكاتب الوزارات والمؤسسات والفنادق والشقق المفروشة للأعمال السعودية. بدلا من لوحات مستوردة ومقلدة في ذات الوقت.. فننا التشكيلي بحاجة إلى المزيد من الاهتمام، والآن الكرة في مرمى وزارتنا الموقرة الحلم الذي تحقق «الثقافة» لتأخذ بيد كل فنان مبدع وأن تهتم بأعماله وأن تخصص متحفًا كبيرًا يضم نخبة من أفضل الأعمال التي تجسد حضارتنا وتاريخنا وبيئتنا وتراثنا كما تفعل دول العالم فهل نفعل ذلك؟ هذا ما نأمله..