كتب - محرر الوراق:
لم يكن مثقفونا ولا باحثونا بمعزل عن النقاشات المجتمعية التي دارت في شهر رمضان الكريم عن دور الدراما في تقديم تاريخنا المحلي.. وهل يحق لكتّاب النصوص ومخرجيها ونجومها أن يقدموا المجتمع وفق رؤية فنية بحتة بحق لهم ما لا يحق لغيرهم، على وزن يحق للشاعر ما لا يحق لغيره أم لا؟.. ولأجل هذا تحدث بعضهم إلينا، فكان من حديثهم:
أبا بطين: مجتمعنا ليس مثالياً، لكن المسلسلات ليست مصدراً لتاريخنا!!
وبعد أن شكر الشيخ عبدالله بن محمد أبا بطين مؤسس ملتقى أبا بطين الثقافي وفروعه على هذا الموضوع الهام -بحسب أبا بطين- والذى يفتح باب النقاش المثمر والصحيح. ويضيف أبا بطين: تعلمون أن المسلسلات التلفزيونية ليست أهلاً لأن يعتمد عليها في تدوين تاريخنا فهي تخضع للأسف لتوجهات غريبة ومشبوهة والهدف الإساءة وتشويه الحقائق والمكسب المادي الرخيص حتى ولو كان على حساب الإساءة والكذب وإفساد المجتمع، والغريب أن تعمل مثل هذه المسلسلات الهابطة في غياب أجهزة الرقابة والإعلام وأن يترك للمفسد أن ينشر أباطيله للشباب ويعتقدون أن هذه حياة أهلهم، ونحن لا نقول إن المجتمع مثالي ليس فيه أخطاء أو أنه معصوم عن الخطأ، لكن يبقى ذلك محدود ومنبوذ من المجتمع، ولكن يأتي من ينشر هذا العمل وكأنه أسلوب حياة ويطلع عليه الصغير والكبير وحتى من هم خارج وطننا هذا يعتبر إساءة للمجتمع السعودي والذي يتصف بالمحافظة والستر.. للأسف أقول إن من يعمل مثل ذلك لا تهمه الوسيلة مهما كانت من أجل الهدف الساقط والمنبوذ من مجتمعنا.
المدلج: ترك الجوانب المضيئة من تاريخنا ظلم وعدوان ومحبط..!
كما تحدث لنا في هذا الموضوع الأستاذ عبدالله المدلج، وهو باحث ومهتم بتاريخنا المحلي، وقال في هذا الموضوع: إن رأيي فيما يعرض من مسلسلات وتمثيليات تخص تاريخنا القريب أو البعيد، إننا أمة مسؤوله يجب أن تكون أعمالنا الفنية والإعلامية والأدبية والثقافية ذات أثر إيجابي للمجتمع خاصة الأجيال الناشئة أثر يزيد من ثقتهم بمجتمعهم وحبهم لوطنهم واحترامهم للدين والقيّم مع التشويق والتوجيه لذلك دون الإخلال بواقعية التأريخ وأحداثه.. أما أن أعرض فترات من تأريخنا باختيار أحداث ناشزة وقبيحة وقليلة لتكون سمة الفترة المقصودة وتترك الجوانب المضيئة والحسنه فهذا ظلم وعدوان يصيب المتلقي بالإحباط والنقمة أو الاقتداء بما يرى ويستسهل حدوثها ولا ينكرها ويتعود عليها خاصة الناشئة منهم ولنا في رسولنا قدوة حسنة، حينما أمر عند الحديث عن الأموات -اذكروا محاسن موتاكم- وكذلك عند الحديث عن فترة ماضية من الزمن فأمواتها هم وراء أحداثها والأعمال الأدبية والفنية في المجتمع الإسلامي يجب أن تكون عاملاً مهماً في تربية المجتمع وتوعيته بالقيّم والفضيلة.. وإذا ذكرت نقيصة أو حدث قبيح وسيئ لابد أن يعرض بطريقة تجعله غير مقبول ومرفوض في عصره وليس سمة له. ويضيف المدلج: وفي مثل هذه الأعمال أرى أن لا نفرط بتقليد ما يسمي في الأدب العالمي بالأدب الواقعي أو الأدب المكشوف فتسرد الأحداث في حياة مجتمع أو فرد دون مراعاة للذوق أو الأخلاق فضرر ذلك أضعاف نفعه كالخمر ضررها أكثر من نفعها وكذلك الأمانة في العمل الفني بأن لا يكون لتمرير فكرة غير مرغوبة أو طمس حقيقة أو إثبات ادعاء كاذب، والله ولي التوفيق.
مها آل خشيل: اهتمام الجمهور بالمسلسلات يوجب مراجعة مصداقيتها!
ومن ضمن المشاركات المميزة مشاركة الدكتورة مها بنت علي آل خشيل أستاذ التاريخ المشارك، قسم التاريخ بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حيث وضعت سؤالاً عرضاً عن مدى مصداقية هذه المسلسلات، وقالت: يحتل التاريخ مكانًا بارزًا بين العلوم الإنسانية، ويرتبط بها ارتباطًا وثيقًا، ويحظى باهتمام كبير بين مختلف فئات المجتمع، ويفسر هذا الاهتمام في جانب منه إلى ارتباط التاريخ المباشر بالإنسان وحياته، وأعماله، التي تشكل مادة التاريخ الأولى.
ومن جهة أخرى، يشكل التاريخ رافدًا للفنون قديمها وحديثها، وعلى الدوام، وجدت الفنون في التاريخ مادة ثرية تستلهم منها الموضوعات والأطر المتنوعة.
وتقول آل خشيل: ويلحظ المتابع الاهتمام الكبير الذي يبديه الجمهور بالمسلسلات التلفزيونية التي يحضر فيها البعد التاريخي، سواء كان موضوع المسلسل عامًا أم موضوعا تاريخيًا خاصًا؛ مما يطرح سؤالاً عامًا أمام المتلقي، حول مصداقية ما يراه، وهل ما يشاهده تاريخ أم فن؟..
وللإجابة عن هذا السؤال العام، لا بد من النظر من خلال زاويتين:
الأولى: هي زاوية فريق العمل والإخراج الفني، الذي يعمد إلى استحضار جانب من التاريخ، ثم يضيف إليه إضافات جمالية وخيالية تنشد إقناع المتلقي، من خلال اقتباس مكونات الزمان والمكان، وهذا أمر يتسق مع طبيعة الفنون، فهي تحاكي التاريخ وتتغلف بغلافه حين تقدم بعض الموضوعات، ولكنها في الوقت نفسه ليست نقلا حرفيا له، وإنما «تنتخب» حقائق تاريخية ثم تعمل على تأويلها حسب طبيعة العمل الفني الذي تقدمه.
أما الزاوية الثانية، فهي: المتلقي، وخلفيته الثقافية، ومدى وعيه بالتاريخ، وإدراكه الهدف مما يشاهد، بشكل يمكنه من المقارنة بين التاريخ وبين العمل الفني الذي يشاهده عبر الشاشة، ومدى استعداده لتقبّل التفاصيل المطروحة، ونقدها، والتمييز بين الحقيقة والخيال. وهذا يضعنا أمام قضية أخرى، تطرح أمام وزارة الثقافة المشكلة حديثًا، وهو دور الثقافة في إحياء الذاكرة الجماعية الوطنية، من خلال استعادة الأحداث، والمكونات التاريخية، وإخراجها عبر أعمال فنية مختلفة تتيح الفرصة لإثراء المعرفة، وإثراء الفن، وبناء الجسور المتينة بيت الماضي والحاضر.
المهيدب: تاريخ الوطن واضح.. ولا يختزل في حوادث شاذة
وبيّن المشرف العام على بيت الخبرة للاستشارات الشرعية والقانونية الدكتور خالد بن هدوب المهيدب أن تاريخنا المحلي واضح من خلال سير الملوك والحكام والأئمة من آل سعود، ولا يمكن اختزال تاريخنا في موقف شاذ أو قليل الحدوث، ويقول الدكتور المهيدب: ثقافة الأمم والشعوب تعكس حالها وواقعها وإرثها الديني والتاريخي والمعرفي ودول العالم قاطبة لديها ثقافات خاصة تمثل هويتها ومن هنا يحصل التمايز والتباين في تنوع الثقافات واختلافها إلا أن الثقافة الإسلامية لها طابعها الخاص المميز كونها مستمدة من مصادر التشريع الألهية... والمتتبع لتاريخ المملكة العربية في المصاد والمراجع المدونة، والمتناقلة يقف على حقائق لاتقبل الجدل والتأويل فالدولة منذ قيامها تستند لتحكيم شرع الله عزوجل وتعتبره مصدر التشريع وعلى هذا العهد والنهج الرشيد تعاهد الأئمة والحكام والملوك، وعاش الآباء والإجداد في مملكتنا الغالية بفطرتهم السوية قائمين بأمر الله تعالى متمسكين بشرعه تسود مجتمعاتهم القيم والشيم العربية الأصيلة المتوارثة فأصبحت هوية تتعاهدها الأجيال كابراً عن كابر، وفي مجتمع الآباء والأجداد كغيره من المجتمعات على مدار التاريخ تحصل وقائع شاذة وممارسات منبوذة من فئة (تتستر) بجرمها المنكر الذي لو ظهر لتعرض مرتكبه للتأديب والهجر والجزاء الشرعي الرادع.. وبالتالي -والحديث للدكتور المهيدب- فمن الظلم والتشويه لتاريخنا التليد ان يختزل ويعبث بتشويهه من خلال إنتاج مسلسلات تتضمن إسقاطات لأفعال شاذة وإبرازها على أنها ممارسات سائدة ومألوفة في تلك المجتمعات التي سادها الطهر والعفاف والحشمة وتمسك فيها الآباء والأجداد بدينهم وعقيدتهم النقية وقيمهم العربية الأصيلة مكنين الولاء والطاعة لحكامهم وولاة أمرهم.
فإبراز الحقائق التاريخية والواقع الصحيح لتاريخ الآباء والأجداد ولمملكتنا الغالية أصبح لزاماً على مؤسسات الإنتاج الإعلامية وأظن أن دارة الملك عبدالعزيز تزخر بمصادر ومدونات مكتوبة ومسجلة توثق تاريخ المملكة والحالة الاجتماعية السائدة فيها بالإمكان الإفادة منها في صياغة أيّ عمل درامي يهدف لتصوير حال المملكة، وكأنك تعيشه حقيقة دون تدليس بعيداً عن الأدلجة وتغليب الأهواء فمن حق الأجيال معرفة تاريخهم الأصيل على حقيقته دون بتر ولا تشويه.
فاطمة الملا: هذا رأيي في العاصوف، وبعض الأعمال تمثل مجتمعنا بنسبة كبيرة؟
وعلى شكل نقاط مرقمة وضعت الأستاذة فاطمة بن عبدالرحمن الملا وهي مديرة وحدة تطوير الموارد البشرية، وناشطة اجتماعية، فقالت لنا:
أولاً: نعم بعض العادات والتقاليد مجهولة ولربما لكبر مساحة المملكة واختلاف العادات والتقاليد من منطقة لمنطقة أخرى تعتبر مجهولة (المملكة ليست منطقة أو دولة هي أشبة بقارة) مثال على ذلك عندما اتحدث عن مثل شعبي أو مكان تاريخي مع إحدى الزميلات يبدين استغرابهن هذا دليل على عدم معرفتهم بالعادات القديمة. وممكن يأتي شخص لتمثيل الموروث فيقع في التالي:
- يتحدث عن فئة مجتمعية فتوجه أصابع الاتهام بأنه خاطئ نحن لا نعيش المثالية.
- وربما يكون بعض المجتمع ليس له معرفة بالتاريخ.
- الممثل رسم العادات والتقاليد بصورة خاطئة وربما يتحدث عن حقبة زمنية لا توجد بها الأحداث التي تم ذكرها أو سردها.
- في السابق لا توجد وسائل تواصل اجتماعية أو إعلام لكي يعرف السابقين ماذا يدور بالمجتمع عكس ما نحن عليه الآن.
ثانياً: في بعض الأعمال تمثل واقع المجتمع بنسبة كبيرة والبعض بنسبة بسيطة جداً الأعمال المطروحة بها نوع من المبالغة والمواقف فير المرغوب بها والبعض منها حقيقة عنصر الجذب ربما يكون عند طريق كوميديا ليست بمحلها كوميديا فتغير مرغوب بها.
ثالثاً: بالفعل فيه جهل عن عادات وتقاليد المملكة لدى البعض لأن التاريخ يدرس دون التطرق لها اللهجات التي تم تمثيلها بالفعل موجودة وإنما قد يكون تركيز ومبالغة في إحدى اللهجات لإحدى القرى لتعمم بأنها هي لهجة المنطقة وهذا يعتبر تشويهاً في بعض الأحيان. وتضيف فاطمة الملا، وتقول: رأيي الشخصي في أحد الأعمال الرمضانية لهذا العام والذي تم نقده من الأغلبية (العاصوف).
- اللهجة سليمة.
- عادات الزواج مناسبة لنفس الفترة التاريخية.
- الإخوان والأمور السياسية وتأثر المبتعثين لمصر بها بالفعل موجودة بكثرة في عهد الملك فيصل في مناطق المملكة وكان العفو عن الأغلبية كمكرمة من الملك خالد.
- الزنا موجود واللقطاء ولربما مجهولة في تلك الفترة لقلة الاعلام كما نحن عليه الآن فكان طرح جريء من قبل الكاتب وكام به نوع من المبالغة.
- البعض انتقد الانفتاح الأقارب مثلاً أو ما كان من مشاهد من المراهقين والغرام فيما بينهم هذا أيضاً مبالغ فيه للمتلقي والبعض لم يكن به مبالغة لأن بعض المناطق لم يكن شيئاً كبيراً بالنسبة لهم، أما بعض المناطق فكان جرماً كبيراً وعاراً. لذا من المفترض أثناء العرض البعد عن هذه الأمور لأن العادات بالمملكة مختلفة في هذا الأمر والاهتمام بالإنجازات التي كانت في عهد الملك فيصل ولَم يسلط الضوء عليها وإنما سلط الضوء عن أمور أقل أهمية.
ابن فرزان: ليت هذه المسلسلات تطرقت إلى تاريخنا المشرّف
وأما الأستاذ متعب بن فرزان، وهو كاتب، ومهتم بتاريخ الدولة السعودية، فقد وجه عتباً على من يقدم هذه المسلسلات، متمنياً أن يكون هناك تركيز أكثر على مآثر الآباء والأجداد في توحيد هذا الوطن الطاهر.. وبدأ الفرزان حديثه متأسفاً بأن تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا يجهلها الكثير من شبابنا اليوم.. لماذا الدراما السعودية والقنوات الإعلامية التي أغلبها يملكها سعوديون لم يتطرقوا لتاريخنا المشرف؟..
إلى الدعوة الإصلاحية التي ناصرها/ الإمام محمد بن سعود -رحمة الله- ومن بعده أبناؤه الإمام/ عبدالعزيز والإمام سعود بن عبدالعزيز والإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز آخر الأئمة للدولة السعودية الأولى، والذي سلم نفسه عام 1230 هجري بعد حصار الدرعية على أن تتوقف الدولة الطاغية الدولة العثمانية عن قتل أهالي الدرعية والعلماء وطلبة العلم وعدم قتل وهدم باقي مناطق نجد وعدم هدم المنازل وممتلكات الأهالي ولكن مع الأسف بأن الدولة العثمانية الطاغية لم تلتزم بالاتفاقية وقامت بتدمير منازل أهالي الدرعية حي السهل وكذلك حي البجيري الذي يسكنه الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب والذي يعتبر مقر لطلبة العلم وفيه مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقامت الدولة العثمانية بالقتل وهدم الكثير من المباني في منطقة نجد ومنطقة سدير والوشم والقصيم فحسب بل أسرفت في القتل والنهب وقتل العلماء وعملت المٌنكرات، بل قادت إمام المسلمين الإمام عبدالله إلى مصر ومن ثم إلى تركيا وأعدمته لأن الدولة العثمانية خافت على دولتها من الدعوة الإصلاحية التي وصلت إلى العراق والشام وعمان لأن الدرعية أصبحت مقر للعلم والعلماء يأتونها من كل مكان ليتعلموا العقيدة الصحية التي بينت الكثير من البدع والخرفات ومنها عبادة القبور والتوسل إليها وكذلك عبادة الأشجار والنخيل. ولله الحمد والمنة ما زالت المملكة من عهد الإمام محمد بن سعود إلى عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومن بعده أبنائه توالوا نشر الدعوة الإصلاحية الوسطية البعيدة عن الغلو والتطرف.. لماذا هذا التاريخ المشرف لا يدرس لأبنائنا؟..
وتتبناه القنوات التي تظهر السيئ! ولا تظهر الجانب الحسن من تاريخنا، بل تبحث عن التوافه وينشرونها في إعلامهم الفاسد لماذا العالم يتحدث عن تاريخيه الحسن ويبين عاداتهم الطيبة ونحن عكسهم؟.. ويختم الفرزان حديثه بقوله: كذلك بعض الآباء مقصرون في تعليم أبنائهم تاريخ بلادنا المشرف وعاداتنا الطيبة التي يتحدث عنها كثير من المستشرقين الذين زاروا المملكة ودونت في كتبهم.
المزيني: نحتاج إلى هذه المسلسلات التي تكشف واقع مجتمعنا قبل اختطافه
ويتمنى ضيفنا الباحث والكاتب الأستاذ حمود المزيني أن تقوم هذه المسلسلات بدور في توضيح صورة مجتمعنا في فترات سابقة واللتي تغيرت مؤخراً، ويقول أبو مازن: تاريخنا المحلي من عادات وتقاليد.. فيها ما هو إيجابي وفيها ما هو سلبي. فآباؤنا بشر ممن خلق وليسوا ملائكة تمشي على الأرض. ومع ذلك كانوا يشكلون مجتمعاً متماسكاً متديناً بالفطرة. فيهم المتشدد والغالب عليهم الوسطية.. وفيهم من دون ذلك. والأهم من هذا أنهم لم يجعلوا من الدين سلماً أو أداة لتمزيق مجتمعهم.. لقد تعرض مجتمعنا على مدى أكثر من ثلاثة عقود إلى زلزال فكري عنيف.. نال من قيمه وعاداته بل ومن تدينه.. من دعاة أرادوا هدمه وبناءه من جديد وفق أجندة معينة.. كان من نتائج ذلك ما شاهدناه من تصنيفات فرقت أبناء المجتمع الواحد. ومن أعمال فظيعة لا يقدم عليها من في قلبه ذرة من إيمان. فضلاً عن أن تصدر ممن يتلبس بلبوس الدين.. فمن يتصور أن يخرج من ذلك المجتمع المتجانس المتواد.. من يقتل خاله وأبيه. وأفراد عشيرته التي تؤويه. ويفجر المسجد على قاصديه..
ومن -يضيف المزيني- هنا فإنه لا بد من أعمال تمثيلية ومسرحية وثقافية.. تكشف لهذا الجيل الجديد الذي لم يعايش ذلك الزمان وأهله. واقع ذلك المجتمع قبل اختطافه.. ويصحح ما غرس في عقول بعضهم من تزمت وانغلاق ومعاداة للبشرية.. مما يخالف مبادئ ديننا الحنيف من التسامح والاعتراف بالديانات الأخرى ومعايشتها.. هذه الأعمال التمثيلية والثقافية.. كأي عمل بشري قد يكتنفها بعض المبالغات والأخطاء.. ولكنها في النهاية عمل لا بد منه لتصحيح المسار.. ولن تبلغ أخطاؤها ربع معشار أخطاء وعاظ تسببوا في قطع الأرحام وقتل القرابات وهدم المساجد والناس قيام.
المكتبي: إذا لم تكن مصادر تاريخية موثقة، فمن الطبيعي وجود أخطاء في المسلسلات
الأستاذ حسين المكتبي النعيمي، باحث ومؤرخ، وله مشاركات متعددة في أكثر من مجال بحثي، يرى أن غياب النص التاريخي الموثق له أكبر الأثر في تشويه تقديم التاريخ، ويقول: لا توجد عادات وتقاليد مجهولة، في حقيقة الأمر يوجد عادات وتقاليد تنتهي بانتهاء شروط وجودها، ليحل محلها نمط جديد من العادات والتقاليد بحكم تطور الحياة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، إن من يتناول بيئة معينة في أي عمل درامي فني لا أعتقد أنه يسعى إلى توثيق عاداتها وتقاليدها أو تأريخها أو حتى بعثاها، ثمة خطاب أو مقولة من وراء هذا العمل يسعى الكاتب لتحقيقها، وشرط تحقيقها زمان ومكان محددين. لذا عندما لا يعتمد كاتب العمل على مراجع تاريخية موثوقة أو يقوم بمراجعة النص باحث تاريخي أو باحث في التراث الشعبي سيقع العمل بلا شك بأخطاء قد تكون فادحة في مقاربة العادات والتقاليد. إلا أنه وفي حقيقة الأمر ثمة وعي زائف اتجاه الماضي وعاداته وتقاليده، ويرتكز هذا الوعي على أن الماضي هو زمن الطيبين، وهذا يعني أن الحاضر هو زمن الشريرين، وهذه مغالطة معرفية بالدرجة الأولى. ثمة ما هو أصيل في الماضي وثمة ما هو سيئ أيضاً.. لذا لا يستطيع أي عمل درامي أن ينحاز في عرضه للماضي وعاداته وتقاليده لما هو أصيل وجميل وجيد فقط حتى يرضي الجماهير، سنكون هنا أمام عمل طوباوي مخالف لشروط الواقع، العمل الفني الحقيقي بوصفه فعلاً درامياً متخيلاً عليه أن يقدم القبيح مقروناً بالجميل والعكس صحيح. أعتقد إن العمل الدرامي الأصيل هو الذي يعرض عادات وتقاليد مجتمعه بشكل غير مباشر، حيث تكون تلك العادات والتقاليد جزءاً من الحكاية وحبكتها الدرامية، هو الذي يستعين بالعلوم الأخرى (التاريخ - الفنون الشعبية - الأنثروبولوجيا الثقافية) لبناء صورة فنية تستند إلى الواقع في عرض تقاليد وعادات المجتمع.
ويرى المكتبي: أن الفنون عامة تتحمل مسؤولية عرض تقاليد الماضي وعاداته وقيمه بكل ما فيها من حسنات ومساوئ، هذه مسؤولية الفن وليست مسؤولية التربية، ذلك أن الكيفيات التي يتوسل بها الفن لعرض أفكاره لطالما كانت خلاقة ومبتكرة، أما مسؤولية التربية فتنحصر بغرس ما هو فاضل وقيم وجميل وما هو صالح لكل زمان ومكان.
الحيدر: وجود الأخطاء لن يوفقنا عن مواصلة التصحيح والعمل
ويرى مدير مركز النشاط الاجتماعي في الحصون سدير وعضو مجلس سدير في محافظة المجمعة الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله الحيدر: الموضوع مرتبط بشبكة كبيرة أولها البيت الأسرة والشارع والمدرسة والبيئة الاجتماعية المتكاملة والإعلام لإحياء العادات السليمة وفق ما كانوا عليه.. صحيح يوجد لدينا كثير من الأخطاء مع تربية الأولاد ووو...إلخ ولكن لا ولن توقف حجرة عثر أمام هذا السلبيات نحن نحتاج إلى أعاده إلى تاريخ الآباء والأجداد وفهم المحتوى الجيد لهذى التاريخ العريق ولله الحمد نحن نعيش في وقت أملي فيه كبير بما أشاهده الآن ولله الحمد في جميع مناطق ومحافظات ومراكز المملكة يحييون العادات مثل الاحتفالات والعيدية (الحوامة) والقريقعان.... إلخ.. هذا وتقبلو تحياتي ونشكر جهودكم في مثل هذه الموضوعات.
المسردي: على المخرجين والفنانين الوقوف عند ملحوظات المجتمع
وأما الباحث مسعود المسردي، فيرى أن دور المخرجين والفنانين في هذه الأعمال مهم، وأن عليهم أن لا يتمسكوا بآرائهم، بل أن يعرفوا آراء المجتمع، وفي حديث الأستاذ المسردي للوراق قال: لا أدخل في نوايا بعض المخرجين، والفنانين الذين يمثلون أدواراً سلبية تسيء لمجتمعنا، وتعكس صورة غير حقيقية لما كان يعيشه الآباء، والأجداد في الزمن الماضي؛ بيد أن تمسك هؤلاء بآرائهم، ورمي المجتمع بالتخلف بعد أن نبهوا لما وقعوا فيه من أخطاء يجعلنا نقول أحياناً أن الأمر مقصود، مجتمعنا الماضي لا يجهل تاريخه فهو في صدور الرجال الذين عاشوا تلك الحقبة، وفي بطون الكتب المهتمة بتدوين الحياة الاجتماعية.
وما نعيشه من انضباط اجتماعي وسمو أخلاقي ما هو إلا انعكاس لما كان يعيشه أسلافنا ولله الحمد.. ومن الطبيعي أن يكون التمثيل فيه مبالغة، وتهويل لكن أن يصل الأمر إلى ما نشاهده من تشويه لتاريخنا الاجتماعي فهذا ما لا يقره عقل ولا منطق، وينبغي أن نقف صفاً واحداً في محاربة مثل هذه المسلسلات التي تسعى لتشويه صورة المجتمع على جميع منصات إعلامنا المقروء، والمسموع، والمشاهد.
العريفي: مع وجود الموسوعات الاجتماعية ليس لهم عذر في دقة الطرح
وأما المؤرخ والباحث سعد العريفي فقد أكد على أنه في ظل هذا الكم الهائل من الموسوعات الاجتماعي فليس هناك عذر لمن أدى مشاهد تمثيلية لمجتمعنا ولم يكن ما يقدمه دقيقاً، يقول الباحث العريفي: (هل تاريخنا المحلي والاجتماعي من عادات وتقاليد مجهولاً، حيث يأتي من يمثل عيش المجتمع قديماً ويقع في أخطاء كبيرة أو صغيرة ويقدم مجتمعنا المحلي بصورة غير صورته الحقيقية؟). لم يعد تاريخنا المحلي بما يحمله من عادات اجتماعية وموروثات تقليدية مجهولاً، فما زالت أغلب الأسر في كافة مناطق المملكة العربية السعودية متمسكة بتراثها المحلي، وتنقله للأجيال اللاحقة.
وقد ألفت العديد من الكتب، وكتبت الكثير من الموسوعات والأطاريح والبحوث العلمية المتصلة بالتاريخ الاجتماعي والموروث الشعبي. فلم يعد من الصعب معرفة الحالة الاجتماعية السائدة في وقتٍ مضى من خلال الرجوع للمصادر والمراجع المتعلقة بالموضوع، أو استخدام التاريخ المرئي لمعرفة حالة المجتمع القديم من مباني وسيارات ولباس أو نمط الحياة القديم واللهجة المحكية آنذاك والتعبيرات المصاحبة لها... إلخ.. (أم أنكم ترون أن تمثيل تاريخنا المحلي لا بأس به ومن الطبيعي أن يكون فيه مبالغات ومواقف غير حقيقة يخترعها المخرج وكاتب المسلسل لجذب المشاهد للاستمتاع بهذه المسلسلات التي تطل علينا في كل سنة في رمضان؟).
تمثيل التاريخ هو فرع من التوثيق، والمادة الوثائقية (سواء كانت وثيقة، كتاب، وثيقة، صور وفيديو، تاريخ شفوي أو غيرها) حتى تكون هذه المادة الوثائقية صالحة للعرض لابد لها من سيناريو، وهذا مجال يدخل فيه الخيال «ثانوياً» لربط المواضيع بعضها ببعض، من خلال سياق واضح، والخطأ هنا غير مقبول في العملية الوثائقية.
أما العمل الدرامي فلا يتطلب عكس حالة مجتمع معين، بقدر ما هو عكس لوجهة نظر كاتب نحو قضيةٍ اجتماعية معينة، أو استعراض لحالة مجتمع هو في أساسه من خيال الكاتب، وتكون صياغة الكاتب للنص في حقبة زمنية معينة إما قديمة أو معاصرة، ويكون الخيال في العمل الدرامي «أساسياً» لتكوين كافة عناصر البناء الدرامي. (أم أن الموضوع بكامله مرتبط بأننا لم ندرس ولم ندرس أبناءنا تاريخ الآباء والأجداد فأتت هذه البرامج بأخطاء مضحكة في كتابة النص واللهجات وغيرها؟).دراسة الموروث الشعبي والعادات والتقاليد هي جزء أساسي من التاريخ الاجتماعي، والحقيقة أن هذا الفرع الهام من فروع المعرفة الإنسانية مهمل كثيراً في تعليمنا العام والجامعي، فالاهتمام بالتاريخ السياسي -رغم أهميته المعرفية- أضر كثيراً من الطلاب في مقابل معرفة الجانب الاجتماعي في تاريخنا العريق، ومع المحاولات الفردية من بعض الأساتذة للإشارة إلى أهمية التاريخ الاجتماعي إلا أنه لازال بحاجة إلى عمل مؤسساتي تتكامل فيه مراكز المعرفة العلمية في المملكة العربية السعودية مع وزارة التعليم نحو صياغة مقررات دراسية ووضع برامج دراسات عليا وأطاريح علمية حول التاريخ الاجتماعي. وأعلم أن دارة الملك عبدالعزيز تتصدى منذ سنوات لتوثيق تاريخ الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المملكة العربية السعودية، وهذا جهد بلا شك مشكوراً، ونرجو من المؤسسات العلمية الأخرى والوزارات ذات الصلة أن يتبنوا مثل هذه المبادرات العلمية، وأن يخرجوها إما في وسائط متعددة أو كتب أو أعمال سينمائية وبرامج توثيقية، كما أرجو من الشركات الكبيرة والبنوك التجارية القيام بدورهم في المسؤولية الاجتماعية، وتوثيق الحياة الاجتماعية وعرضها هو جزء من ذلك، والمسؤولية الاجتماعية دور لا يقل أهميةً من وجهة نظري عن دور الشركات والبنوك الريادي في التنمية الاقتصادية.
الهويدي: نقل التاريخ بصدق مسؤولية كل مهتم
وتقول الباحثة مرام الهويدي، وهي متخصصة في علم التاريخ: بعيداً عن النقد والتساؤلات المطروحة علينا أن نقر بإسهام الإعلام وأثره في نقل التاريخ من خلال المسلسلات وغيرها؛ لذا فإن ظهور نصوص تاريخية درامية ووثائقية تنقل تاريخنا المحلي دون تشويه أو تلميع، وحري أن يتحمل مسؤولية ذلك كل مهتم صدوق بالتاريخ إن كان هاوياً أو متخصصاً.
الدوسري: أخطاء المسلسلات التاريخية سببها الكاتب والمنتج!!
الزميل عادل الدوسري الروائي والكاتب في صحيفة الجزيرة فقد كان واضحاً في تحميل المسؤولية لعدة جهات تقوم في هذه المسلسنلات، حيث يقول: تاريخنا المحلي والاجتماعي مرصود في الكتب التي تناولت عاداتنا وتقاليدنا ومآثر آبائنا وأجدادنا، بل إنَّ هناك بعض الكتب التي تناولت مناطق بعينها فخلَّدت عاداتهم وطبائعهم، كما أنَّ هذا التاريخ مازال حياً في أفواه الرواة وكبار السن الذين يتناقلون قصص السابقين الأولين من أهالينا في كل اجتماع ومناسبة ولا يتمنعون عن ذكر القصة لأي سائل في أي زمان. لكن المشكلة التي تجعل مسلسلاتنا التاريخية تعج بالأخطاء التي لا يمكن تجاوزها تكمن في الآتي:
أولاً: أنَّ كاتب المسلسل غالباً ما يترك كتابة السيناريو لأشخاص آخرين، وهذا يسبب الكثير من الأخطاء لعدم ترابط الفكرة بين الاثنين، ثم إنَّ بعض الكُتّاب يخلط بين هدف المسلسل وتوجهه «درامي أو وثائقي».. وهذا ما يعصف بالعمل كاملاً.
ثانيًا: عدم إلمام المخرج بهذا التاريخ المحلي الكبير في مقابل عدم اهتمام طاقم العمل بالاستعانة ببعض الرواة والمصححين التاريخيين لتدقيق العمل من حيث الأدوات والحوارات والكثير من التفاصيل.
ثالثًا: استعجال المنتج في ظهور المسلسل وعرضه على الشاشة يؤدي إلى ارتباك في شخصيات العمل وتفاصيلها واضطرار المخرج إلى تجاوزها لينتهي من العمل في وقته. لذلك من الطبيعي أن تكون هناك بعض الأخطاء، فحتى في التاريخ المكتوب تحدث الكثير من الأخطاء وتعاد عليها المراجعات بين الرواة والمؤرخين، فكيف بالمسلسل إذن.