أود أن ألفت النظر إلى أن نتعامل مع هذا الأمر كواقع؛ وأن نتجاوز مرحلة نقاشه فقد تم ذلك، ثم اتخذت الإجراءات اللازمة وهي المرحلة الثانية، والآن نحن نتعامل معه كواقع وهي المرحلة الثالثة، فماهي أفضل الخدمات؟ والأساليب؟ والإجراءات؟ التي يمكن أن أقدمها كمواطن صالح يسعى إلى إعانة ولي الأمر بصدق في الظاهر والباطن على تحقيق ما يراه من مصالح عليا.
ومن هنا فإني أدعو العلماء... والقدوات... والمثقفين... إلى النقاش الهادف والنظر البعيد والشامل والحكيم للوصول بهذا الموضوع إلى مستوى يليق بنا كدولة ومجتمع سعودي متحضر يسعى دائما لأن يكون متمسكا بدينه وقيمه ومبادئه ويقدم الصور الرائعة في التعامل مع المرأة كـ(أم وأخت وبنت) لها مسؤولياتها وأدوارها المناسبة لها، ولا نخلط بين الصواب والخطأ، ولا مرحلة سابقة بمرحلة واقعية نعيشها.
نحن كمواطنين يجب علينا أن نسعى لتحقيق الأهداف التي أوضحها ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله تعالى- في الأمر السامي الذي رأى فيه: السماح للمرأة بقيادة المركبة؛ لما يترتب من سلبيات من عدم السماح لها بذلك، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك؛ ومن أبرز الأهداف التي يجب أن نسعى جميعا لتحقيقها التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين؛ هدفان:
الأول: أن الدولة هي -بعون الله تعالى - حارسة القيم الشرعية فإنها تعتبر المحافظة عليها وراعيتها وهذا في قائمة أولوياتها سواء فيما يتعلق بقيادة المرأة للمركبة أو غيره من الأمور، ولن تتوانى الدولة في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته.
الثاني: مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها، فالتنفيذ من الجهات المختصة لقيادة المرأة للمركبة يكون وفق الضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة.
ومن هذا المنطلق أحب أن أنبه إلى أن نتعامل مع هذا الموضوع من منطلق شرعي ووطني يقوم على التعاون وتحقيق المصالح النظامية والمجتمعية والأخلاقية الموجودة لدينا كعرب نشأنا على قيم ومبادئ معروفة ثم جاء الإسلام ليؤكدها ويرتب عليها الأجر والمثوبة.
فالمرأة التي تقود تلك المركبة لا تكون إلا (أما أو أختا أو بنتا) لها مسؤوليتها الوطنية والشخصية فيجب أن نتعامل معها من هذا المنطلق سواء على المستوى المؤسسي أو الشخصي.
وأتمنى أن نعمل سويا على التعاون وتوعية المجتمع للقيام بالدور اللائق بنا كمجتمع سعودي متحضر ومتطور وفق الشريعة السمحة، والأخلاق الرفيعة التي نتميز بهما ولله تعالى الحمد والمنة.
فالمواطن هو رجل الأمن الأول كما أن المسؤولين والجهات المسؤولة أنهت كافة الإجراءات التي وجه بها ولي الأمر وأنجزت ذلك فإن المواطن هو رجل الأمن الأول الذي يكون العين الأولى لتطبيق الأنظمة ومراقبة تطبيقها وإعانة الدولة على حراسة القيم الشرعية والمحافظة عليها ورعايتها وأن نستحضر أن ذلك في قائمة أولوياتها سواء فيما يتعلق بقيادة المرأة للمركبة أو غيره من الأمور، والدولة لم ولن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته .
وهناك أمر مهم أود أن أنبه عليه:
فنعلم أننا مستهدفون من قبل أعداء يتصيدون الأخطاء ثم يُخرِجونها بقوالب مثيرة!!! ونعلم أن الوطن والمواطن مستهدفون، وهناك من سيظهر لنا بقالب النصح! والحقيقة أنهم من المثيرين للفتنة، فيجب أن يعي المواطن أن واجبه هو تحقيق المصالح التي رآها ولي الأمر حفظه الله تعالى وأن عليه كمواطن أن يميت تلك الافتراءات والتشغيبات بالتوقف عن تناقلها وعدم الإسهام في نشرها، فإن ظهرت فعليه دور إسكاتها بالطرق المناسبة.
وأنا دائما أؤكد على الالتزام بالأنظمة فهي كفيلة بالخير لسببين:
أولا: أنها طاعة لله تعالى حيث أمرنا بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله تعالى.
ثانيا: أنها تحقق الأمن والعدالة والانضباط.
# هناك فريقان أود أن أوجه لكل منهما رسالة:
الفريق الأول: من يعارض الواقع الحاصل، ويقف بالمعارضة ومحاولة إيجاد أي عذر أو تصيد الأخطاء...الخ، وذلك لأسباب شرعية أو اجتماعية يراها من وجهة نظره أو من وجهة نظر من يثق بهم.
فإنني أقول: إن الأمر أصبح واقعا نعيشه، والموقف الشرعي والاجتماعي والنظامي يجب أن يكون أكثر حكمة وفقها وسياسة، ولا نصور للمجتمعات في الداخل والخارج أن هذا هو رأي علماء الشريعة فحسب، وبالتالي نترك الميدان للآخرين،ثم بعد برهة من الزمن نعود لنعايشه وإذا بالأمر قد تجاوزنا ولا يمكن أن نقدم فيه مايمكننا من خير، ولهذا شواهد كثيرة في مراحل وحقب قريبة وبعيدة، فالفقه الصحيح أن نتعامل مع الموضوع بالفقه الدعوي والأخلاقي والمجتمعي القائم على الكتاب والسنة والسياسة الشرعية والحكمة والدلالة والتوجيه لثلاثة ميادين:
الأول: ميدان المرأة، بالحماية والصون والتكريم للمرأة سواء من اختارت قيادة المركبة أو لم تقد، وأن المسألة يتسع فيها الخلاف، وولي الأمر لم يفرض القيادة ولم يشرع جوازها هذا تركه لأهل العلم، وإنما سمح بها وفق ضوابط شرعية وأنظمة معتمدة.
الثاني: ميدان الرجال وبخاصة الشباب، بأن يكونوا على قدر المسؤولية والثقة والرعاية الشرعية والوطنية الصالحة، وأن يشعر كل واحد بأنه هو رجال الأمن الأول، والعين الساهرة في سبيل الله تعالى على مصلحة وحماية الوطن، ورعاية مصالحة؛ وهذا من لوازم البيعة وحقوق الإسلام عليه، وحقوق المسلمين على بعضهم، وأن من تقود المركبة لا تخرج عن كونها (أما أو أختا أو بنتا)، وأن يستشعر ذلك.
الثالث: ميدان المسؤولين والأجهزة المعنية، بأن تقوم بواجبها على أكمل وجه، عبادة لله تعالى أولا، ونظاميا ثانيا، ثم أخلاقيا واجتماعيا، وأن تجعل المساواة في الأنظمة والحزم والانضباط دون أي اعتبارات للعواطف أو القناعات الشخصية.
وفي الأخير لجميع الثلاثة يجب أن ندرك بأن المسلم خُلق لأجل عبادة الله تعالى وأن هناك مسؤوليات مناطة به وأخرى مناطة بالمسؤول والأجهزة المسؤولة فلا يجوز لك التدخل فيها دون إذن؛ وليس لك فيها سوى الدعاء والنصح والتوجيه بالتي هي أحسن، وهناك مسؤوليات مناطة بولي الأمر فلا يجوز لأحد كائنا من كان التدخل فيها دون إذنه وتفويضه، اللهم إلا الدعاء والنصح بالتي هي أحسن، وعلى العموم فالأمر يجب أن نتعامل معه بالعدل والإنصاف والحكمة.
الفريق الثاني: من يزايد في هذا الموضوع ويحاول أن يصور للمجتمع أن أهل العلم ممانعين ...الخ، وأن أهل التدين والخير كذلك، وأنهم فريق يقابل فريق النساء، فهذا غير صحيح بتاتا، وفي هذا بذر للفرقة والتشرذم والاختلاف، والمنصف يرى أن المجوزين لقيادة المرأة وفق الضوابط الشرعية علماء، وأن الحاضرين الآن في الاستوديوهات علماء، وأن المشاركين في المنابر الإعلامية علماء وطلبة علم، وأساتذة جامعات من تخصصات مختلفة يجمعهم دين واحد وفكر واحد وثقافة واحدة وقيم ومبادئ واحدة، وأن المجتمع محافظ ومتعلم ومتحضر ومعروف بوسطيته واعتداله، وتماسكه وترابطه ويتعاطى مع المستجدات بشكل حضاري، وهذا يقطع الطريق على الأعداء من أي صنف كان وبخاصة في هذه الظروف، فلا نترك فرصة للأعداء أن يصوروا المرأة كفريق وأهل العلم والخير والدين كفريق مقابل ومعارض لها، فإن هذا فيه من المفاسد الدينية والاجتماعية وغيرها مالا يخفى.
** **
الدكتور/ أحمد بن محمد بن عثمان المنيعي - أستاذ الدراسات العليا - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية