عمر إبراهيم الرشيد
ليس من شاهد كمن سمع، وقد كتبت كما كتب زملاء القلم غيري من قبل عن القطارات في المملكة، لكني لم أرد أن أتحدث عن مستوى الأداء والخدمة حتى أستقل القطار وأسافر فعليا بدل التنظير جزافاً. قبل أيام سافرت على متن قطار الشمال من الرياض متجهاً إلى مدينتي الوادعة بين أحضان أجا وسلمى، ولأمانة القلم أقول إننا ولله الحمد قد دخلنا مرحلة جديدة ونوعية وعلى مستوى دولي في مجال النقل والقطارات تحديداً، بدءاً من المحطات التي تفوق في مستواها بعض المطارات في فخامة وجودة مرافقها وتصاميمها، مروراً بمستوى أداء موظفيها، وانتهاءً بمستوى القطار نفسه وعالمية مواصفاته. هذا قطار الشمال والمخطط له الامتداد حتى الحدود الشمالية للمملكة، والحديث نفسه وأعظم عن قطار الحرمين بين مكة المكرمة وطيبة الطيبة.
نعلم جميعا أن شبكة الطرق البرية التي تربط مدن ومحافظات المملكة والآلاف من القرى أيضًا، أدت ولا تزال خدمة وصل أجزاء وأطراف الوطن ببعضه للمسافرين وشحن البضائع والخدمات، لكننا نعلم كذلك الأرقام المخيفة للحوادث والأرواح التي أزهقت على متون تلك الطرق، مع ما تكلفه من ميزانيات وهدر للموارد المالية وتعثر مشاريع الكثير منها. وبعد انتظار ومعاناة وخسائر بشرية ومالية كما قلت، جاءت هذه القطارات كطوق النجاة للكثيرين، بعد تجارب لا تنسى لملايين المواطنين والمقيمين على الطرق البرية وفي صالات المطارات، عدا عن أن نسبة الحوادث على الطرق سوف تنخفض أو هي بدأت بالانخفاض ولله الحمد وبفضله ثم بتوفر وسيلة النقل بالقطارات ليكون الاختيار لأفراد المجتمع أشمل. وهذا، على أمل أن نرى القطار يعبر أراضي المملكة من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، رابطاً مدن المملكة بدول الخليج والدول المجاورة، فتصبح تجربة السفر متعة لا معاناة كما هي تجربة قطار الشمال هذه.
كان السفر بالقطار ولا يزال للملايين تجربة فريدة، عبر عنها الروائيون والشعراء والكتاب عبر المجتمعات والأزمنة، ونسجت في عربات القطار أجمل قصائد الغزل والوجدانيات، وأشهر الروايات البوليسية والإنسانية. وللحقيقة فقد شعرت وأنا أدلف إلى محطة القطار بأن الوطن قد دخل مرحلة جديدة من التحديث النوعي والتطور الفعلي، الذي بدوره يحدث تطوراً وتأثيراً في النواحي الاجتماعية والاقتصادية ويرفع من مستويات الجودة المعيشية والإنتاج في مختلف المجالات، لأن وسائل النقل والمواصلات هي عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما نعلم والقطارات من ضمنها. هذا هو الخبر السار عن (سار) متمنياً لها ولكل ما يخدم الإنسان على هذه الأرض الطيبة ويخدم الوطن مزيد الارتقاء والتألق، حمى الله هذا الوطن وصحبتكم السلامة أينما كنتم وإلى اللقاء.