لبنى الخميس
على مدى فترة استغرقت أربع سنوات، وبعد تحليل 19 مليون تغريدة، وجد تقرير «Ditch the Label and Brandwatch» أن هناك ما يقرب من 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على تويتر وحدة تسقط تحت فئة التنمر الإلكتروني. وقد وجد أن 52% من إساءات كره النساء المسجلة قد كتبت بواسطة نساء، يسخرن من المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية لنساء أخريات.
تروي لي إحدى المتابعات في سناب شات.. رافضة الإفصاح عن اسمها.. عن تنمر تعرضت له أثناء فترة علاجها الكيماوي، إذ كانت ومن باب التوعية ومشاركة التجربة، تصور يومياتها، وإذ بسيل من التعليقات الجارحة ينهال عليها بسبب لون أظافرها الذي أصبح يميل للسواد، أو حواجبها التي فقدتها تدريجياً جراء جرعات الكيماوي، مطالبينها بالاهتمام بنظافة أظافرها ومحتجين على عدم استخدامها قلماً لرسم حواجها، علماً أنها نوهت في خانة النبذة التعريفية في تويتر، أنها محاربة للسرطان! فما كان منها إلا أن تعتزل السوشل ميديا وتدخل في نوبة غضب واكتئاب حادة.
أحد أشهر المواقع الإلكترونية التي باتت مسرحاً لأنماط متعددة من التنمر هو موقع (آسك) ونظيره العربي صراحة.. الذي يمنح المتنمر امتياز إخفاء هويته وبث سمومه من خلال طرح أسئلة جارحة، مثل: «أنت مصدقة أنك جميلة؟ أحد قد قالك أنك فاشل؟ ليش ما تروح تنتحر أحسنلك!» أو إرسال خطابات كراهية وتعليقات مسيئة دون مقدرة المستخدم معرفة مصدرها. وهنا قد يسأل البعض ما الذي يجعل بعض المراهقين أو الشباب يفتحون حسابات في مواقع اشتهرت باستقبال هذا النوع من النقد الجارح.. الحقيقة تقول إن المراهق وحتى البالغ في كثير من الأحيان يبحث عن القبول، ويسعى لاكتشاف آراء الناس عنه حتى وإن لم يعرفوا سوى القليل.. والقليل جداً عنه.
لكن يظل السؤال، ما الذي يدفع المتنمر لبث سمومه وتعنيف غيره برصاص كلماته؟! كيف يجد إشباع دوافعه في تدمير ثقة وسمعة الآخرين؟ تؤكد الدراسات النفسية بأن المتنمر شخص مضطرب يبحث عن متنفس يبث فيه غضبه الدفين تجاه العالم، ويسعى لزعزعة سكينة وسلام الآخرين مع ذواتهم، منطلقاً من علاقاته المضطربة والمشحونة مع نفسه.
نحن هنا لا نتحدث عن حالة فردية، ولو كنا كذلك لما صادفنا حسابات مليونية مكرسة للسخرية والاستهزاء بالشخصيات العامة والفنانين والمؤثرين ممن يتابعهم جارك وصديقتك وزميلك في العمل ربما أنت أيضاً بدافع الفضول رافعاً شعار: «أنا مو مشارك .. أنا متفرج بس».
كلنا متورطون، حتى وإن اعتقدنا أننا في منأى عن التنمر.. فكم مرة مررنا فيها بتعليق قاسٍ وتابعنا التصفح بلا اكتراث؟ وكم مرة شددنا على أيدي المتنمرين بمشاركة تعليقاتهم وكلماتهم الجارحة بغرض الطقطقة والضحك؟ غير آبهين بمشاعر هؤلاء الذين أصبحوا في ليلة وضحاها لقمة سائغة رواد المجالس.
أخيراً، الإنترنت انعكاس افتراضي لواقعنا المعاش. ستمر عليك وجوه كثيرة لا تعجبك تقاسيمها، ومدونون لا تستهويك معتقداتهم، ومتحدثون تستفزك طريقة تعبيرهم عن أنفسهم. فإن لم يكن عليك لزاماً أن تبدي إعجابك بملامحهم، وتصفق لأفكارهم، وتعتنق معتقداتهم، أنت لا شك ملزم إنسانياً بأن تبدي تعاطفك معهم. وتذكر قبل أن تكون مغرداً في تويتر، ومستخدماً في انستغرام، ومشاهداً في يوتيوب، أنك إنسان بقيم ومعتقدات ووازع ذاتي، يمنعك من أن تلقي تعليقاً جارحاً على شخص تصادفه في الشارع، أو أن تكون شريكاً في التنكيل بضحية في أرض الواقع، فلا تجعل موازينك الإلكترونية أقل عدلاً وارتخاءً من ميزانك الواقعي، فلربما كنت أنت التالي، ولربما كانت تدوينتك الجارحة تلك هي الأخيرة.