د.عبد الرحمن الحبيب
بعد لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي، في وقت كان هذا اللقاء بعيد المنال، تساءل البعض لماذا قَبِل ترامب هذا اللقاء الصعب بينما انسحب من الاتفاق النووي الموقَّع مع إيران! هل هذا تناقض، أم ثمة أسباب موضوعية، أم هي نزوة رئيس نزق، أم أنه يريد معارضة ما بناه سلفه أوباما لمجرد التميز عنه؟
الواقع أن هناك عدة أسباب موضوعية.. فالسبب الرئيسي لرفض أمريكا الاتفاق النووي مع إيران هو أن إدارة ترامب ترى قصوراً في الاتفاق؛ لأنه جزئي انحصر في قدرات إيران النووية وتجاهل الصواريخ البالستية وإثارة النظام الإيراني للاضطرابات بالمنطقة عبر وكلائها من منظمات إرهابية. هذا الاتفاق الجزئي رغم أنه حدَّ من نشاط إيران النووي إلا أنه شجعها على مزيد من سلوكها العدواني بالمنطقة، بينما مشروع الاتفاق مع كوريا الشمالية سيكون شاملاً ويحولها من دولة متمردة على النظام العالمي إلى دولة طبيعية..
ثمة اختلاف واضح بين كوريا الشمالية وإيران.. فالرئيس الحالي لكوريا الشمالية وأبوه وجده، سبق أن أعلنوا مراراً الرغبة في لقاء رئيس أمريكا شريطة الاعتراف بنظامهم، بينما النظام الإيراني، وحسب ما نصت عليه وصية الخميني، في حالة حرب دينية مقدسة مع دول الشرق والغرب، وبالأخص مع أمريكا، والقيادة الإيرانية الحالية بأيديولوجيتها المتحجرة تعتبر عداءها لأمريكا وجودي وأزلي.
يقول أحد المطلعين على تحضيرات لقاء الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي: «لطالما كانت إيران سيئة، ولن تكون أبدًا حليفًا للولايات المتحدة، لكن الهدف مع كوريا الشمالية أكبر من ذلك بكثير، وهو الانتقال من عدو إلى حليف.. إذا نجحت واشنطن في ذلك، فسيكون هذا أكبر وأقوى بكثير من الصفقة الإيرانية» (صحيفة الفايننشال تايمز).
لقد ظن البعض أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران يظهر عدم رغبته في السلام، بينما الإشكالية هي في السلوك الإيراني الرافض للحل الشامل، في حين أن رفض ترامب لهذا الاتفاق رافقه التأكيد على فكرة اتفاقية شاملة، قائلاً، إنه: «مستعد وراغب وقادر» على عقد «صفقة جديدة ودائمة» مع القيادة الإيرانية الحالية إذا عدلت من سلوكها العدواني. هذه الصفقة الجديدة لن تنحصر بنهاية العقوبات الأمريكية، بل أيضاً ترميم العلاقات كاملة، والوصول للتكنولوجيا المتقدمة والدعم الأمريكي لتحديث الاقتصاد الإيراني المتهالك وإعادة دمجه في الاقتصاد العالمي، بما لم تسبقه لذلك أية إدارة أمريكية، كما يذكر الباحث الاستراتيجي الأمريكي جون هانا.
وقبل أيام، كتب السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زاد بصحيفة «واشنطن بوست» عن رغبة الإدارة الأمريكية في «إشراك إيران في مفاوضات من أجل التوصل لاتفاق شامل يؤدي لتطبيع العلاقات»، تكون فيها إيران دولة طبيعية مع دول الجوار ومع العالم.
ماذا لو عرض الرئيس ترامب على القيادة الإيرانية ما عرضه على كوريا الشمالية؟ يجيب ديفيد بولوك الباحث بمعهد واشنطن: «من شبه المؤكد أن يرفض السيد خامنئي عرضاً للقاء السيد ترامب، لأن أيديولوجيته مبنية على مقاومة «الغطرسة العالمية» الأمريكية. لكن احتمال مثل هذا الرفض هو سبب إضافي يجب أن يدفع الولايات المتحدة إلى تقديم مثل هذا العرض، لأنه سيُظهر للشعب الإيراني والعالم بأسره من هو صانع السلام الحقيقي.. ويُظهر للشعب الإيراني الأولويات الحقيقية لزعمائهم.. خامنئي ليس كيم جونغ أون، ومن المرجح أن يفعل كل شيء تقريباً لتجنب لقاء السيد ترامب..». لكن بولوك يؤكد وجوب أن يتشاور البيت الأبيض مع حلفاء الولايات المتحدة قبل تقديم مثل هذا العرض.
إن قبول القيادة الإيرانية بعلاقات طبيعية سلمية مع دول الجوار هو ما تسعى إليه دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لكن القيادة الإيرانية تعتبره خياراً محفوفاً بالمخاطر عليها كسلطة دينية متحجرة تنتمي لتخلف الماضي، وتعيش على تصدير الثورة وتصدير أزماتها الداخلية للخارج.
إذا انتقلنا إلى الأسباب الأخرى لاختلاف تعامل ترامب بين كوريا الشمالية وإيران، سنجد ما يؤكده الخبراء على أن خطورة كوريا الشمالية النووية أكثر بمراحل من إيران؛ لأن بيونغ يانغ طوّرت ترسانة نووية وصواريخ تعرّض أمريكا للخطر. ومن هنا قدمت الإدارة الأمريكية تنازلات شكلية لكوريا الشمالية مثل «قرار ترامب بإلغاء المناورات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.. وهي خطوة أثارت قلق الكونغرس والنقاد، ولكنها كانت تنازلًا معقولًا وليس أكبر من اللازم». كما ذكر مدير مجموعة الأزمات النووية ولفستال.
وهناك سبب آخر هو أن الأزمة مع كوريا الشمالية تكاد تنحصر في التهديد النووي، بينما الأزمة مع النظام الإيراني متعددة الجوانب، فإيران تمد نفوذها عبر وكلائها بالمنطقة مثيرة النزاعات والحروب، وهي مشروع ثورة وليس دولة حسب دستورها، وإيران هي أكبر مَصدَر لغسيل الأموال بالعالم حسب مؤشر بازل الدولي، وتعتبرها الإدارة الأمريكية أكبر داعم للإرهاب في العالم وينبغي ممارسة أشد الضغوط عليها لتعديل سلوكها العدواني.. لذا قررت إدارة ترامب المواجهة الحادة مع إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي، وما شملها من عقوبات اقتصادية هي «أشد العقوبات صرامة في التاريخ»، ووضع اثني عشر شرطاً للعودة لاتفاق جديد وشامل بدلاً من اتفاق جزئي ناقص.