نجيب الخنيزي
مع أن نشوء الرياضة المعاصرة وخصوصاً كرة القدم، ارتبط تاريخياً بظهور الرأسمالية في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية منذ القرن السابع عشر، غير أن تسليعها أخذ يتعمق في العقود الأخيرة مع العولمة، وعبر الدور المتزايد للشركات والمصارف والقنوات الفضائية ورؤوس الأموال (التي تقدر بالمليارات) في الاستحواذ على الأندية الرياضية الشهيرة، وبيع وشراء اللاعبين، والإعلانات واحتكار البث التلفزيوني.
وبطبيعة الحال هذا لا يعني بأنّ أولئك الشباب الصغار من أبنائنا الذين يلعبون كرة القدم في الساحات المفتوحة، وبين الأحياء السكنية وفي المزارع مرتبطون بشكل مباشر بهذه المنظومة الرأسمالية، بل إن دافعهم هو المتعة والإثارة والتسلية والنشاط البدني، بخلاف المنظومة الرأسمالية التي هدفها الأول والأخير هو الربح.
إنّ أزمة الرياضة وتسليعها وما يكتنفها من تفشٍ للفساد المالي والإداري والأخلاقي، واستخدام المنشطات هي الوجه الآخر لأزمة الرأسمالية وصيغتها الاستهلاكية.
في حين نجد هنالك زيادة في مداخيل الفرق الكبيرة كما في إنجلترا وإيطاليا وأسبانيا تقدر بـ500 في المائة خلال العقد الماضي، كما أن أجور اللاعبين تزايدت بـ700 في المائة، وقد قدرت قيمة لاعبي المنتخب الإسباني في مونديال موسكو 2018 بأكثر من 850 مليون دولار، غير أن معظم الأندية الرياضية عانت وتعاني من ديون، فريق ريال مدريد على سبيل المثال بلغت ديونه 400 مليون يورو.
الرياضة بوجه عام وكرة القدم بشكل خاص تعزز الوهم بأن بعض اللاعبين المميزين من المنتمين إلى الفئات الشعبية الفقيرة (وهذا صحيح جزئياً وبشكل محدود) يمتلكون القدرة على الارتقاء في السلم الطبقي إلى مستويات أعلى.
في مقابلة أجراها لوي مارتينيز مع سرجيو لفنسكي، أحد كبار الكتّاب في كرة القدم، وقد ألّف كتابًا عن مارادونا من بين كتب أخرى لوي مارتينيز (البرازيل): وجاء فيها أن ظواهر مثل الهووليغانز، وَالبارا برافا، والتورسيدا -وهي في أمريكا اللاتينية- أدت إلى انقسامات جديدة بين الأفراد، أيّ أنها أفرزت وهمًا بأن عدو المشجّع هو مشجّع نادٍ آخر.
كما تعزز الصناعة الرياضية وملاك الأندية وقنوات التليفزيون مواقعها، في حين يتناحر المشجّعون فيما بينهم، وهم في النهاية عمّال، أو طلاب، أو عاطلون، بسبب هوية متلاعَب بها.
لا يعي المشجعون والأولتراس أنه بإمكانهم الاتحاد للمطالبة لا بتحسين كرة القدم - الاستعراضية، ولكن بتدميرها، واضعين بالتالي حجرًا في بناء التغيير.
مضيفاً في نظام منحرف وفاسد مثل كرة القدم -الاستعراضية، يصعُب تصوّر وجود اتحاد بين المشجعين للمطالبة بتحسين الاستعراض. هذا يمكن أن يصير، وقد صار بالفعل، بفضل مجموعات أقلية في الدول المتقدمة حيث يوجد مستوى ثقافي.
تفيد المعطيات والدراسات المنشورة عن العلاقة بين نجوم الكرة والإعلانات من بينها، مع أن المشروبات الغازية هي من الأمور المرفوضة بالنسبة إلى لاعب كرة القدم، ومع ذلك فإن اللاعب الأرجنتيني المشهور ميسي وغيره من نجوم الكرة ظهروا في دعايات للترويج عن شركة «بيبسي».
كما ظهر ميسي بإعلان «كنتاكي» للوجبات السريعة، وهناك اللاعب الإنجليزي المعروف ديفيد بيكام الذي ظهر في إعلانات ترويجية لـ»بيبسي» و»برغر كينغ»، بل إن بعض الرياضيين أو من يعملوا في حقل الرياضة انتقلوا إلى حقل السياسة وبعضهم وصل إلى سدة الحكم أو تسلموا مناصب رفيعة، مثال بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي السابق، واللاعب البرازيلي الشهير بيليه الذي تسلم منصب وزير الرياضة في 1995 وحتى 2001.
للحديث صلة