د. محمد عبدالله الخازم
الهدف من إنشاء وزارة أو هيئة الثقافة هو تنظيم العمل الثقافي ودعمه وتطويره بما يحقق الغايات التي تنشدها الدولة. هذا ما تعلنه أغلب وزارات الثقافة في دول العالم، لكن بعضها تتحول بقصد أو بدون قصد إلى جهات تحكم (Controlling) بدلاً من جهات تطوير (Developing) للثقافة وتتحول من جهات داعمة ومسوّقة للقيم الثقافية إلى جهات موجهه تحدد وتحجب ما يُقال وما لا يُقال. وزارتنا للثقافة لم تنطلق بعد أو ما زالت حديثة عهد ونعتقد أن المهمة في تأسيسها ليست بالأمر الهيّن، وأول الصعوبات تكمن في تحديد فلسفتها وعمق رسالتها الفكرية ومدى اقترابها من أحد القطبين؛ التحكم أو التطوير. البيروقراطي سيسحبها نحو التحكم والمثقف الحقيقي يريد منها التحفيز بعيداً عن التحكم في المحتوى. لدينا تجارب في وزارات مشابهة بدأت رسالتها تطويرية ثم تحولت إلى تحكم وتوجيه، وأبرزها طيبة الذكر وزارة التعليم العالي، فبدلاً من التركيز على تطوير التعليم العالي ودعم تنوعه واستقلاليته الفكرية والثقافية وإبداعه تحولت إلى موجه ومتحكم في مفاصل القرار الجامعي حتى بدت جامعاتنا نسخاً متشابهة ليس لديها القدرة على النمو الصحي في فضاءات فكرية وتعليمية متقدِّمة. طبعاً وزارة التعليم الحالية تعد بحل هذه الإشكالية ولعل العطَّار يصلح ما أفسده الدهر.
قرأت بعض أمنيات المثقفين ومقترحاتهم وطلباتهم من وزارة الثقافة الجديدة، ولست أحلّق بعيداً، ويمكنني إضافة قائمة أخرى من المطالب والمقترحات المهمة، لكن يهمني قبل تفاصيل العمل والمشاريع تحديد الهوية والفلسفة التي ستعمل عليها الوزارة الجديدة. هل سيكون لديها خط يميزها فكرياً ويوضح التداخل بينها وبين جهات أخرى تشاركها بعض المهام المتصورة عنها، كوزارة الإعلام أو هيئة الترفية أو الخارجية والتعليم في الجانب الخارجي وغير ذلك؟ هل ستكون وزارة تنفيذية فتنزلق نحو التحكم والتوجيه والتنفيذ بدلاً من خلق فضاءات ومناخات فكرية محفزة، كوزارة إستراتيجية تجعل فعل الثقافة ينمو دون إعاقة؟
أسوأ القصائد هي تلك التي يطلب من الشاعر تفصيلها وفق مقاسات ومناسبات محدّدة وأجملها تلك التي تنطلق من ذات الشاعر. الخيار أمام وزارة الثقافة الجديدة هو الحصول على قصائد معلبة وهي سهلة تدغدغ المشاعر وتشعل لهيب المنابر، أو تحفيز الحصول على قصائد مبدعة مميزة تدوم للأجيال القادمة.
تمنياتي للوزارة الوليدة ولسمو رئيسها التوفيق في تحقيق ما هو أجمل للوطن وللثقافة.