د. محمد بن يحيى الفال
.بعد مضي أكثر من عام على الأزمة الخليجية، والتي كان وما زال مُسببها لسوء الحظ الحكومة القطرية التي تخندقت وراء قنواتها الفضائية سواء كانت الإخبارية منها كالجزيرة أو الرياضية كقناة بي إن، ولكن هذا التخندق لم تكسب من ورائه حكومة قطر سوى الخسارة تلو الأخرى لمستقبل موقعها في المنطقة، ولمستقبل علاقتها مع مجتمعات الدول التي تقاطعها وكذلك خسارتها مليارات من الدولارات المرصودة لهذه القنوات الناشرة للكراهية والطائفية والفوضى. ونرى توصيفاً وتحليلاً موضوعياً للخسارة القطرية من خلال تغريده مميزة للدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والتي جاء فيها « الملخص الإعلامي لمرور سنة على أزمة قطر أن تويتر السعودي هزم الجزيرة، صوتك أقوى وأوضح حين تدافع عن وطنك».
ولتحليل كيف انتصر تويتر السعودي المنطلق من محفزات وطنية بحتة على قناة يُصرف عليها المليارات من الدولارات سنوياً نعود بالذاكرة للوراء زمنياً وتحديداً من خلال نظرية البناء الاجتماعي للحقيقة «The Social Construction of Reality». والتي صدرت أدبياتها في كتاب بالعنوان السابق عام 1966 لكل من عالمي الاجتماع الأمريكيين بيتر بيرغر وتوماس لوكمان، وتفترض النظرية التي أُطلق عليها كذلك نظرية المعرفة والتواصل أن هناك قاعدة مجتمعية مشتركة للواقع وتكون موجهاً لمجموعة من المجتمع أو لمجتمع بأكمله نحو مختلف القضايا التي تواجه هذا المجتمع. ولو أسقطنا هذه النظرية على الحراك الإعلامي الذي أعقب الأزمة مع قطر وما زال مستمراً نرى أن الغلبة كانت للوطنية المتمثلة بالمواطنين السعوديين المشاركين في منصة تويتر مقابل شبكة الجزيرة القطرية الفضائية المُدارة والموجهة من قبل عملاء لا هم لهم سوى تأجيج الرأي العام بأكبر قدر ممكن من الأخبار المغرضة والإشاعات الكاذبة.
انتصار السعوديين الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي وخصوصاً منصة تويتر المفضلة لدى غالبيتهم لفعاليتها كان سببه الأول هو أنهم كمجموعة وطنية تمثل قضايا وطنهم الواحدة، اصطفوا وبعفوية تحسدها عليهم الكثير من الدول والمجتمعات، ومردها سبب واحد وهو حبهم لوطنهم وذلك في مواجهة شرسة فضحت وعرَّت كل الأكاذيب والضلالات التي تبثها قناة الجزيرة القطرية. وكان وراء انتصار السعوديين في مواجهتهم للمسيئين لوطنهم وعرَّابتهم قناة الجزيرة سببان رئيسان وهما التغير الذي يحصل فيه الناس على معلوماتهم وتاريخ قناة الجزيرة في إشاعة الفوضى. وفيما يتعلق بالسبب الأول فهناك قطاع من الناس يتزايد باستمرار لم يعودوا يتلقوا معلوماتهم من قبل وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمذياع والتلفزيون، بل أضحوا يعتمدون في استقصاء الأخبار من على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتي يُشارك فيها السعوديون بكثافة مدفوعة بوطنية صادقة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأمن وسلامة وطنهم والذي يعتبرونه أمراً غير قابل للنقاش أو التنازل عنه لكائن من كان.
السبب الثاني يتعلق بتاريخ قناة الجزيرة وديدنها في إشاعة الفوضى في العالم العربي، والذي نرى نتيجته فيما خلَّفه ما يطلق عليه الربيع العربي من مآسٍ وخراب ودمار في كل بقعة من بقاع العالمي العربي ابتليت به، وعليه فقد وعت الشعوب الدرس وبأن تُرهات قناة الجزيرة ومن يقف وراءها لن تنطلي عليهم بعد أن رأوا بأعينهم ما تمخض عنه الربيع العربي المزعوم من نكسات والعبرة كما يُقال بالنتائج، فنتائجه الكارثية لا تحتاج لوصف ويعرفها القاصي والداني.
جاءت ردة فعل من يقفون وراء قناة الجزيرة على الهزيمة النكراء التي لحقت بهم من قبل مستخدمي منصة تويتر من وطنيين سعوديين بأن أطلقوا عليهم مصطلح الذباب الإلكتروني، مع أننا نرى أن هذا الوصف ينطبق عليهم جملة وتفصيلاً، ومن باب رمتني بدائها وانسلت، بيد أنهم لم يستطيعوا أن ينسلوا بسبب فداحة ما منوا به من هزيمة أثرت على توازنهم، فنرى كبير مذيعي قناة الجزيرة والذي يفتخر دوماً بأنه هو من أذاع نشرتها الإخبارية الأولى عند انطلاقها في الأول من نوفمبر 1996، نراه ومعه زمرة من مذيعي قناة الجزيرة يحاولون أن يصولوا ويجولوا على منصة تويتر لإشاعة الأكاذيب التي ما انفكوا في بثها على شاشة قناة الجزيرة. ولعلنا نري ذروة عدم الاتزان في محتوي الإعلام القطري الموجهة في الخلط المعيب بين ما هو سياسي ورياضي بإطلاق أبواقه المأجورة من خلال قناته بي إن الرياضية لبث كم هائل من الحقد والكراهية ضد المملكة ومسئوليها، والذي لن يزيد من أزمة قطر سوى اتساع رقعة الخلاف بينها وبين الدول العربية المقاطعة لها.
تبقى حقيقتان لا غبار عليهما وهما أن كل الأكاذيب الموجهة التي يبثها الإعلام القطري والعميل لن تزيد شعب المملكة سوى التصاقا وإيماناً بقيادته، والحقيقة الأخرى أن على القيادة القطرية أن تعيد قراءة الأحداث التي كانت المُسبب للأزمة معها، وأنها هي وليست دولة أخرى من سيدفع ثمناً باهظاً لإصرارها على المضي قدماً في فك أواصر الأخوة مع جيرانها بادعاءاتها غير المنطقية بأنها تتصرف من خلال حقوقها السيادية، والتي يجب عليها أن تفهم بأن الحقوق تقف عندما تبدأ في المساس بحقوق الآخرين.