«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كنا نشاهد في التلفزيون خبراً مصوراً عن سباق الهجن.. عندما نط واحد من المشاركين في جلستنا الأخوية وراح يقول ترى لماذا هي كثيرة أسماء الجمال؟! كنت لحظتها أتابع المشهد المصور.. حركة إقدام الجمال الرفيعة والرشيقة وحركة رقابها وهي تتهادى في إيقاع سريع وجميل كنت مشدوداً للمشهد ولم انتبه لما طرحة صديقنا من سؤال يحتاج إلى إجابة دقيقة التفت كالآخرين إلى السائل حينما انتهى من سؤاله.. وكنت أحس بأن جميع الحضور مثلي مشغولون باسترجاع معلوماتهم وحك رؤوسهم باحثين في أعماق الذاكرة عن الأسماء التي يعرفها. فهذا قال: نوق.. وذاك قال بعير.. وثالث قال الصبور.. ومضى وقت سهرتنا الأخوية ونحن نحاول أن نبحث عن الأسماء الأخرى للأسود، وهكذا مئات الأسماء لعشرات الأشياء في حياتنا؛ وانتهى الوقت دون أن نصل إلى إجابة شاملة ودقيقة للأسئلة المثارة في السهرة عن تعدد الأسماء في لغتنا العربية.
رحم الله أجدادنا الذين أحبوا أرضهم وألفوها، ومن يقلب (فقه) الثعالبي يجد لها أسماء كثيرة.. فإن مر بهذه الأسماء مرور الكرام ظن أنها مترادفات لا داعي لها، ومن تفحص الأمر بروية وأناة وجد أن المسألة خلاف ذلك فما الداعي لأن يطلق العربي أكثر من خمسين اسماً على الناقة وما يفوق هذا الرقم على الأسد وما يقاربه على الأرض والخيول، أهي لهجاته؟! أم فطنته وحكمته ودقة ملاحظته إلى حد كبير، فخص كل نعت أو خصلة باسم وبذلك أغنى لغته ثم كان المجاز فزاد من هذا الغناء.. فما بالنا نحار بأمر المستورد والوافد من المفردات ونحن نغرف من بئر لا ينضب ماؤها.. فلا عحب بعد هذا أن نجد اللغة العربية تحظى ومنذ قرون باهتمام دول الغرب والشرق فانتشرت دور الترجمات في أوروبا وآسيا.
وخلال متابعتي لبعض تغطيات «مونديال روسيا» كان البعض من أبناء المملكة المحظوظين الذين أتيحت لهم الفرصة بحضور فعاليات «المونديال» كان البعض منهم ومن خلال مشاهد في «السناب» وتويتر قد أجروا بعض المقابلات مع شباب من روسيا يتحدثون اللغة العربية بطلاقة منقطعة النظير. بل أعرب أحدهم عن عشقه للغة القرآن الكريم فسارع لتعلمها وسبر غورها.. وأشاد ثالث بجماليات اللوحات الإسلامية المكتوبة باللغة العربية وتوظيفها في جماليلات الجوامع والمساجد في العالم.
ولاشك أن لغتنا العربية كان لها الأثر الكبير، أثر الترجمة في تطوير العلوم والثقافة للعالم الغربي والقارىء في مجالات الثقافة الغربية يكتشف الدور الفاعل الذي لعبته الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الحية.. ومازالت لغتنا العربية تثري اللغات بالألفاظ والمصطلحات والدلالات والأساليب حتى ليكاد تأثيرها يكاد يكون واضحاً في الدول الإسلامية وحتى من دخل في الدين الإسلامي.
وكل منصف أو مستشرق نجده يعترف بدور اللغة العربية في تكوينه الثقافي والمعرفي مما ساعدته في التطوير الذاتي لثقافته وإنتاجه الأدبي.. كما ساعدت الترجمة منها وفي مختلف الحقول المعرفية فكانت منارة عالية أنارت فاضاءات؛ ومازالت حتى اليوم وسيلة مهمة في استيعاب العلوم والثقافات الأجنبية.
واختيار الترجمة من كنوزها الغنية في مكتبات العالم طريقاً للانفتاح الحضاري الواعي للأمم والذي حقق الفائدة من النهضة الفكرية العربية والإسلامية على مر العصور ومواكبة العصر والريادة .. وهنا نجد اللغة العربية «بئر» عميق وكنز متجدد لا ينضب وفق ما تتضمنه من بنية قوية وثابتة أساسها «القرآن الكريم».. فالله سبحانه وتعالي اختار اللغة العربية لحكمة عظيمة يعرفها جلّ جلاله.