أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } سورة الشعراء (10 - 17).
قال أبو عبدالرحمن: رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون لعنه الله بالنص الصريح في هذه الآيات: أن يطلق بني إسرائيل ويرسلهم معه؛ ليرتفع عنهم تعذيبه؛ وقتله أبناءهم ، واستحياؤه نساءهم؛ إذ كل رسول بعثه الله إلى قومه خاصة مع من يقيم معهم في دارهم؛ ودار موسى الأرض المقدسة (بيت المقدس) كما قال موسى لقومه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (21) سورة المائدة؛ فكان جواب الجبناء الأخساء: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} المائدة - (22) - (26).
قال أبو عبدالرحمن: وقص الله أخبار كفرهم، ثم ذكر قصص واعظيهم بقوله تعالى: {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (164) سورة الأعراف.. وكلا الطرفين ناجيان رضي الله عنهم إلا أن الأخيرين اللذين قالا: {معْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} كانا أعظم أجراً؛ لزيادة بلائهم بالوعظ.. وما أخبر الله به عن جبن بني إسرائيل، ومعاقبة الله إياهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض: كان رحمةً للشباب الذين ولدوا في تلك الأربعين وترعرعوا إلى أن تهيؤا للجهاد بالقتال: وهم الذين فتح الله بهم بيت المقدس بعد وفاة موسى وقيام يوشع بن نون بالأمر، عليهما، وعلى المجاهدين معهم: صلوات الله وسلامه وبركاته ورحمته ورضوانه.
قال أبو عبدالرحمن: وأما قتال النبي للكفار وهو مرسل إلى قومه: إنما كان بأدلة أخرى كموقف سليمان من ملكة أهل اليمن (بلقيس) التي أسلمت لله تابعة سليمان عليهما صلوات الله وسلامه وبركاته.. وأما أن سليمان تزوجها: فإن في الخبر عن ذلك اضطراباً شديداً ، وانظر كتاب (تفسير القرآن العظيم) للإمام ابن كثير رحمه الله تعالى 5/675 ــ 677 / دار ابن الجوزي طبعتهم الأولى عام 1431 هـ.. ومناظرة موسى عليه السلام لفرعون لعنه الله منذ الآية العاشرة إلى تمام الآية التاسعة وعشرين من سورة الشعراء، وقد طلب موسى من ربه سبحانه وتعالى أن يرسل معه أخاه هارون لعلة في لسانه الشريف، ولأنه مطالب بثأر؛ إذ وكز عدوه فقضى عليه ؛ وهو من قوم اللعين فرعون ؛ فكان جواب الرب الكريم الرحيم سبحانه وتعالى في غاية براعة الإيجاز؛ إذ قال?.. {قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ}، ولم يقل سبحانه: سنجيب دعوتك، ونرسل معاك أخاك؛ وإنما جاء ذلك في آية أخرى هي قوله تعالى سبحانه وتعالى: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} (35) سورة القصص، وإلى لقاء في السبتية القادمة إن شاء الله تعالى؛ لإتمام عجائب المناظرة المبينة في عنوان هذه الحلقة، والله المستعان.