د.خالد بن صالح المنيف
في وقت مضى كنت نذرت نفسي لاستقبال كل المكالمات والرد على كل الاستفسارات والتجاوب مع كل إيميل ورسالة وتغريدة!
ولم أدرِ بنفسي إلا حين وجدت جسدي وعقلي يرزحان تحت وطأة ضغط شديد!
فما عدت أملك الوقت الكافي لنفسي ولأسرتي!
وما عدت أملك التركيز الكافي للكتابة والتأليف!
ناهيك عن الاستنزاف النفسي الكبير في طاقاتي!
حتى قرأت هذه القصة فتغيرت حياتي معها تماما!
إليك القصة:
يُحكى أن مسؤولاً كان يتفقد إحدى مصحات الأمراض النفسية، وهناك شاهد مشهدا عجيبا حيث رأى أحد نزلاء المصحة يدفع عربة ولكن بشكل مقلوب حيث وضع بطنها أعلى! تعجَّب وسأل النزيل عن سر فعل هذا!
فرد النزيل: تظنني مجنونا؟! أليس كذلك ؟!
لقد كنت فيما مضى أدفع العربة بالشكل الصحيح؛ فلم يتورع من حولي في ملئها بالحصى والمخلفات!
بعد تأمل وجدت أن منطق هذا النزيل المشكوك في صحة عقله في غاية الحكمة!
وقررت توظيف مفهومه في حياتي عموما!
وبداية يجب أن لا يفهم كلامي على أنه دعوة للشح وعدم العطاء والتوقف عن مساعدة المحتاجين ومواساة المكلومين ومد يد العون للمساكين، فالعطاء بأنواعه ومظاهره المتعددة معين وافر للسعادة!
ولكن الإشكالية في ممارسته بشكل عشوائي!
نحن بشر طاقاتنا محدودة وتركيزنا محدود ووقتنا محدود ؛ فلا تحسب نفسك شخصا خارقا تقدر على استيعاب جميع البشر وفي كل وقت!
تذكَّر أنك ستدمر حياتك عندما تدفع عربتك في الحياة بالطريقة المعتادة سامحا لكل من هب ودب أن يلقي فيها أحماله الرديئة ومخلفاته النفسية وتجاربه السيئة!
وهل دورك في الحياة أن تكون مكبا لنفايات البعض النفسية؟!
لستَ معنيا بكل مشاكل من حولك تتحملها وتفكر فيها... قدِّم النصيحة في هدوء ثم واصل طريقك واعتنِ بنفسك بعد هذا!
مما علمتني الحياة أن البعض أدمن على الشكاية فما أن يجد آخر يستمع له حتى يبدأ بإفراغ حمولته النفسية عليه!
هل هانت علينا أنفسنا لدرجة أننا نضيع أوقاتنا ونفسد لحظات سرورنا ونحمل أنفسنا فوق طاقتها؟!
مما خفف عني وشجعني وجعلني أقدم على الاستقالة من مدير الكرة الأرضية وهو بالمناسبة منصب لم أُعيَّن فيه بل كان اختيارا لي!
هو اعترافي بعجزي عن تحمُّل مشاكل كل من حولي وعجزي عن عدم القدرة على حلها!
كل ما أطلبه منك من مبدأ (دفع العربة ظهرا لبطن) هو أن تحسن الاختيار فقط وأن ترتب الوقت وتنظم الجهود؛ لكي تصبح أكثر فعالية وأدوم عطاءً، وحتى تتعاطى مع بعض الأمور كمهمة ممتعة لا حملا ثقيلا!
وأخيراً تذكَّر أنك لست قيِّما على البشر ولست المسؤول عن شؤونهم وشجونهم، وثق أن أغلب من تظنه في هذه الدنيا تعيسا ليس تعيسا بالقدر الذي تظنه!