د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قرر العالم قبل عقود مضت أن من المناسب تيسير حركة التجارة والخدمات العالمية، السعي للعمل على تدفقها دون عوائق، وحماية الحقوق الفكرية للأفراد والمؤسسات والشركات والدول والمنظمات وغيرها، وغير ذلك من مناحي التجارة والأعمال، مثل حماية استغلال الأطفال في العمل، وكانت الغاية المرجوة أن تكون التجارة العالمية أفضل حالاً، وأن يزيد معدل النمو الاقتصادي في سائر بلدان العالم، وأن تتمازج الموارد والإبداعات البشرية للوصول إلى حياة أفضل.
كان هناك تفاوض عالمي حول ذلك ووضعت المؤسسات الكفيلة بالوصول إلى الغاية المرجوة مثل منظمة التجارة العالمية، وقبلها اتفاقية مراكش، وكان هناك جهد كبير وتفاوض طويل ودقيق ووضعت اللوائح والجداول اللازمة لذلك.
بدأ العالم بذلك ولم يستمر الحال، وتأخرت دول في الدخول إلى منظمة التجارة العالمية، لكنها رأت أن من مصلحتها الانضمام إلى تلك المنظمة مهما كانت التخوفات لأن الاختيارات المتاحة كانت محدودة، فلا يمكن لدولة ما أن تعيش منفردة تغرد خارج السرب، وقبلت الانضمام بشروط لم تكن راضية كل الرضى عنها.
الحقيقة أن تدفقات السلع والخدمات تطورت، وزاد معدل النمو، وأخذ العالم في التمازج مدعوماً بالتقنية الحديثة التي سهلت الكثير من الدروب الموصلة للهدف.
بعد هذه العقود رأت الإدارة الأمريكية الحالية أن نتائج المفاوضات السابقة أدت إلى واقع غير منصف للولايات المتحدة الأمريكية وأن هناك خللاً ما لا بد من تصحيحه، لاسيما في العجز التجاري مع الدول العظمى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وكندا والمكسيك وهما الدولتان اللتان تربطهما مع الولايات المتحدة اتفاقية خاصة بهم بحكم الموقع الجغرافي لهذه الدول الثلاث.
اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، قراراً بإعادة التفاوض مع هذه الدول، وكان هناك تمنع بحجة أن الاتفاقات السابقة كافية وتحفظ حقوق الجميع، وإن كان ولا بد فيمكن النظر في بعض النقاط وإعادة التفاوض حولها، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك، وأصرت على تغيير جذري يجعل التوازن واقعاً لا سيما أن العجز التجاري وصل إلى أرقام كبيرة، ولم يتوقف عن الزيادة كما هي الحال مع الصين الذي بلغ نحو أكثر من ثمانية وعشرين مليار دولار في شهر أبريل فقط، حيث صدرت الولايات المتحدة للصين بما يزيد على ثمانية وثلاثين مليار دولار، بينما لم تصدر الولايات المتحدة سوى عشرة مليارات.
الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العظمى التي لا تقارن في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والإبداع التقني، لهذا فإن أي قرار تتخذه سوف يؤثر على العالم، ولم تنتظر الولايات المتحدة كثيراً، بل اتخذت قراراً بفرض الرسوم على بعض السلع الواردة من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا، واتخذت تلك الدول قراراً مماثلاً، لكن الصين لم تطبقه فوراً لكنها أعلنت عن إجراء مماثل على نحو خمسمائة سلعة بما فيها فول الصويا الغذاء المهم في المائدة الصينية.
هناك من يقول إن هذا الإجراء ضد الصين ربما لحرمانها من التقنية الأمريكية المتطورة التي أخذت الصين على عاتقها وبقرار سياسي أن تتوسع في هذا المجال بشكل كبير لتنافس العالم المتقدم مثل الولايات المتحدة بعد تمكنها من النجاح في المجال التجاري.
السؤال المطروح دائماً هو عن مقدار تأثير تلك الحرب التجارية بين العمالقة على الدول الأخرى، وتوفير لقمة العيش بسعر مناسب لفئات أصحاب الدخل الأقل. إضافة إلى مدى تأثير ذلك على النمو العالمي، وقدرة الكثير من الشركات على الصمود بما فيها الشركات الكبيرة والعريقة.
العالم مقبل على تغير اقتصادي يمكن طرح سناريوهات كثيرة حوله، ولا شك أن قراءة المستقبل واتخاذ الإجراء اللازم في الوقت المناسب سيكون مفيداً لكثير من الدول.