د.مساعد بن عبدالله النوح
المجتمع السعودي على موعد مع البداية الرسمية لسياقة المرأة مركبتها، وهو كما أقرها التوجيه السامي في 10 شوال 1439 الموافق 24 يونيو 2018، واستعدادات الجهات المعنية على اختلافها بدأت منذ وقت مبكر من تاريخه. وهي تصنف باستعدادات وقائية؛ بهدف نشر التربية الأمنية لدى أفراد المجتمع الرجال والنساء على حد سواء. وبالتالي ممارسة المرأة حقها في السياقة وتحقيق الأهداف المنتظرة منه.
لقد أصبحت الحاجة إلى التربية الأمنية ملحة؛ لتزايد نسب الجريمة والتغيير الثقافي والاجتماعي، وارتفاع حالات التطرف والإرهاب، وتفشي مفسدات الدين والعقل والجسم، وكثرة شبكات التواصل الاجتماعي، وتعدد استخداماتها، واختلاف التركيبة السكانية.
وتستهدف هذه التربية تنشئة المواطن تنشئة إسلامية، وتعزيز الانتماء والولاء الوطني، ونشر قيم وأخلاقيات الأمن الشامل، وحماية أفراد المجتمع من الجريمة، وتنمية المهارات والاتجاهات السليمة نحو معطيات العصر وإنجازات المجتمع، وغرس مبدأ الأمن مسؤولية الجميع.
وإذا كانت هذه الأهمية للتربية الأمنية وأهدافها معروفة ومعمول بها لدى الرجال والنساء، فإن الحاجة إليها في المجتمع السعودي أضحت مطلباً ضرورياً؛ نظراً لأن المرأة شريك مهم مع الرجل في الطريق؛ حيث إنها لم تعد مجرد راكبة مع زوجها أو ابنها أو أخيها أو سائق البيت بل صارت لها حق في الطريق كسائقة.
لقد تضمنت مصادر التشريع الإسلامي الحنيفة نصوصاً قرآنية وحديثية عن أخلاقيات الطريق، وحقوق المارة عليه، وعقوبات كل متهاون بها؛ كل ذلك لأجل حماية الإنسان والحفاظ على حرمة دمه وماله وعرضه.
قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور30)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال فأما إذا أبيتم إلا الجلوس فاعطوا الطريق حقه، قالوا يا رسول الله فما حق الطريق؟ قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أخرجه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحسن إسلام العبد تركه ما لا يعنيه) أخرجه الترمذي.
كما زخر الأدب العلمي المعاصر بلقاءات متخصصة وبكتابات عن التربية الأمنية رصدت أخلاقيات وقيم وآداب الطريق وعبوره بشكل علمي وفق أسس مدروسة ومتداولة بين الجامعات ومراكز البحوث ومنظمات حقوق الإنسان.
وتضمنت التربية الأمنية عدداً من أخلاقيات السياقة النسائية ويمكن توزيعها إلى مجموعتين، الأولى، أخلاقيات مطلوبة من الرجل حيال المرأة، والثانية أخلاقيات مطلوبة من المرأة حيال نفسها. والظاهر لي أنه يوجد تقصير من قبل وسائل الإعلام، وإدارة الإعلام والعلاقات العامة بالأمن العام والمرور حيال التوعية اللازمة ببعض هذه الأخلاقيات.
ومن أخلاقيات المجموعة الأولى: توعية الرجال بحق المرأة في السياقة، وهذا الخلق يتطلب تعريفهم بواجباتهم الشرعية والقانونية عند رؤيتهم لها في مركبتها عند إشارات المرور والمواقف والطرقات داخل المدن وخارجها وحوادث الطرق البسيطة منها والمعقدة. كغض البصر، وعدم مضايقتها، والبعد عن التهكم بها مهما ارتكبت من أخطاء، والرغبة الصادقة في مساعدتها عند الحاجة.
وما يلاحظ في مقاطع الفيديوهات المتداولة عن المرأة من استغراب وسخرية هو مؤشر ظاهري ومتأصل لدى البعض على إسقاط حق المرأة في السياقة، وأنها مجرد رقم بسيط، متناسين عن مقاطع متداولة عن جِنان بعض الرجال وتهاونه في واجباته حيال الآخرين وممتلكاتهم وممتلكات المجتمع على الطريق.
أما أخلاقيات المجموعة الثانية فمنها: توعية المرأة بأهليتها في السياقة، وعدم الالتفاف إلى الأخطاء والمثبطين لها في تحقيق هذه الأهلية. فكما حققت المرأة نجاحات متتالية محفورة في ذاكرة كل رجل كزوجة وأم وطالبة وموظفة، فهي جديرة بأن تكون سائقة مركبة ناجحة إذا التزمت بأخلاقيات الطريق وتعليمات إدارتي الطرق والمرور، وهذا الخلق يتطلب تهيئة كافية للمرأة سواء لديها خبرة سابقة بالسياقة خارج السعودية أم المرأة التي ليست لها خبرة؛ لأن لكل مجتمع ثقافته الأسرية والمرورية يلزمها معرفتها حماية لها ولمركبتها ولعودتها إلى بيتها وأسرتها سالمة.
ومنها تذكيرها بالآداب الإسلامية التي تخص المرأة التي تخرج من بيتها بمفردها لأي غرض دنيوي: عمل أو علاج أو ترفيه أو دراسة أو مساعدة الوالد أو الزوج، من حشمة في الملبس وحياء، فهما كنزان تنفرد بهما المرأة وسر جمالها وباعث على ترك القبيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء كله خير) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي ستير يحب الستر والحياء) رواه النسائي.
ومنها معرفة السياقة الصحيحة بدلاً من المحاولات والتجريب التي لا تستند على معرفة بأجزاء السيارة الضرورية والتي قد تتسبب في إلحاق الأذى بالمرأة نفسها وبالآخرين أو بمعالم الطريق الحضارية، وربما تتسبب في حدوث إعاقات نفسية وجسدية بالغة - لا قدر الله - وهذا من أسباب الحذر والسلامة.
ومنها الحرص على صيانة مركبتها أولاً بأول؛ لئلا تجد نفسها في موقف تحتاج فيه إلى مساعدة وأذية -لا سمح الله.
ومنها معرفة تعليمات الطريق وتوجيهات المرور وعقوباته خلق مهم للسياقة السليمة، فالحوادث التي تحصل صباح مساء ليس بأسباب استهتار السائق بل قد تكون بسبب جهله بدلالات رموز ورسومات على الطريق.
ومنها أن تعتني بالتبكير في مواجهة حاجات البيت والأسرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) رواه الترمذي. فالتبكير سبب لجلب السرور وتحقيق الرزق وتحصيل البركة وسمو النفس وارتياح القلب والشعور بلذة الحياة وجمالها.
نسأل الله أن يبارك في أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، وأن يحفظهن من سوء العاقبة ويحقق لهن السلامة،،، آمين.