م. خالد إبراهيم الحجي
إن قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي (5+1) تضمن أيضاً فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، تشمل العودة إلى العقوبات الاقتصادية السابقة وزيادة على ذلك منعها من تصدير النفط ومعاقبة أي شركة عالمية تتعامل مع إيران بحرمانها من العمل في الاقتصاد الأمريكي.
ومن حينها التزمت الشركات الأوروبية والأمريكية بالقرارات الأمريكية وتوالى انسحابها من إيران؛ لأن الاقتصاد الأمريكي بالنسبة لها أهم وأكبر من الاقتصاد الإيراني. وبقاء إيران تحت وطأة العقوبات الاقتصادية لمدة طويلة جداً باهظ التكلفة على اقتصادها لما يواجهه من تحديات عديدة تتمثل في ارتفاع الأسعار الفاحش، والتضخم الذي يتفاقم بسبب انخفاض قيمة العملة الإيرانية، وتأخير الأجور والمرتبات، وتزايد نسبة البطالة، والتسريح الجماعي لعمال الشركات الإيرانية المتضررة من العقوبات الاقتصادية خاصة شركات الاستيراد والتصدير.
ومع تزايد العداء الشعبي للنظام بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية اندلعت في إكتوبر 2017م المظاهرات الشعبية التي بدأت من مدينة مشهد، وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء إيران، وردد العمال المضربون والمحتجون هتافات مثل: لا. لا. لخمنئي و»استقلال، حرية، جمهورية إيرانية» وهو نفس الشعار الذي هُتف به إِبَّان الثورة الخمينية ضد شاه إيران في ديسمبر 1978م: «استقلال، حرية، جمهورية إسلامية» مع استبدال كلمة إسلامية بكلمة إيرانية، وهي تدل على شدة غضبهم على النظام الحاكم، وحنقهم على مبادئ الثورة الخمينية، ويؤكد الاستياء الشعبي من حكم الملالي الثيوقراطي الذي يقوم على توظيف السلطة السياسية على أساس ديني روحي عنصري، كما تدل على الرغبة الشعبية الجارفة في تغيير النظام برمته.
وفي خطابه الأول بعد تعيينه وزيراً للخارجية الأمريكية دعا مايك بومبيو، ضمناً، إلى تغيير النظام الإيراني وقال: «إن خامنئي لن يعيش إلى الأبد، ولن يلتزم الشعب الإيراني بالقواعد الصارمة للطغاة إلى الأبد». هذه ليست كلمات دبلوماسية من المتوقع أن تخفف من مخاوف رجال الدين الملالي المتشددين في إيران بما يتعلق بالهدف النهائي لإدارة ترامب، ولن تبني الثقة اللازمة للتعاون في المفاوضات المستقبلية لأي اتفاقية مستقبلية مع الولايات المتحدة. ورسالة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو التحذيرية للنظام الإيراني والمؤيدة للشعب الإيراني تكرار لكلمات الرئيس ترامب بشأن المظاهرات الإيرانية في أكتوبر2017م، عندما قال: «إن الولايات المتحدة تقف في تضامن تام مع الشعب الإيراني الذين طالت معاناته من النظام».
وأشار ترامب إلى ما وصفه بأن مواطني إيران: «دفعوا ثمناً باهظاً للعنف وتطرف قادتهم، والشعب الإيراني يتوق إلى استعادة تاريخ بلاده وثقافته وحضارته وتعاونه مع جيرانه». وتداعيات تصريح ترامب وتكرار بومبيو له هو أن الشعب الإيراني يريد تغيير النظام وأن إدارة ترامب تدعم رغبتهم.
والشواهد من الواقع تفيد أن تغيير الأنظمة من العمليات التي يصعب توقع نتائجها، وقد يتخللها مرحلة انهيار محتملة تطول مدتها -كما حصل في العراق عام 2003م- وينتج عنها انفلات أمني، أو حرب أهلية داخل إيران يمكن أن تؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار والفوضى التي يعاني منها الشرق الأوسط؛ لذلك فإن اتخاذ القرار السديد بشأن تغيير النظام الإيراني يتطلب إجراء عملية المفاضلة من منظور إقليمي بين الأضرار والمكاسب الأربعة التالية؛ من الجانب الأول: حساب الأضرار والمكاسب المتوقعة من استخدام القوة العسكرية لتدمير برنامج الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي الإيراني وإيقاف سياستها التوسعية. ومن الجانب الآخر: حساب الأضرار والمكاسب المتوقعة من المخاطر الدومغرافية والأمنية وآثار الجغرافيا السياسية الناتجة من تغيير النظام الإيراني.
الخلاصة
إن النظام الإيراني قد ينهار عاجلاً أم آجلاً دون سابق إنذار، وتدمير برنامج الصاروخ النووي الإيراني بالقوة العسكرية أولوية يجب أن تسبق تغيير النظام الإيراني، وهما هدفان منفصلان عن بعضهما البعض، وتحقيق أحدهما لا يعني بالضرورة تحقيق الآخر.