د. خالد عبدالله الخميس
للشعر أغراض عدة كالوصف والفخر والهجاء والغزل والأخلاق. ولو بدأنا بغرض الوصف الذي يهدف لتصوير الحدث وكأنه ماثل للعيان، نجد أن هنالك ضموراً في الشعر التصويري بسبب ازدهار التقدم التقني الذي أدى لسحب الصوت الوصفي وإبداله بمشهد معاين، وسحب الشعر التصويري الوصفي ليحل محله المشاهد الواقعية عبر الصور الحقيقية بألوانها البديعة الأخاذة. فمهما بالغ الشاعر في اختيار جمل تصويرية في وصف جمال الطبيعة وجمال المرأة وجمال المدنية فلن توازي تلك الأوصاف المسموعة رؤية تلك الأشياء في شكلها الحي المباشر إما عبر صورة فتوغرافية بديعة أو لوحة تشكيلية فنية أو فيلم مصور بإخراج أخاذ. فبدلاً من أن تسمع لقصيدة عن جمال شلالات نياقرا يمكنك رؤيتها مباشرة.
أما أغراض الشعر في الدعوة للمكارم والأخلاق فما زالت مضامينها منذ القدم وحتى الآن تنحصر في مواضيع مكرورة مثل بر الوالدين وصلة الأرحام وحق الجار والصديق وحق الضيف، وهذه الأشعار لا تحمل الشيء الجديد لتكرار مضامينها، لذا فإن تفاعل السامعين واندماجهم مع هذا النوع من الشعر انحسر كثيراً . ويكاد يعتزل الشاعر لو طلبت منه ألا يتطرق في شعره إلى مواضيع مكرورة، لأنك بهذا تطلب منه أولاً أن يخلق فكرة جديدة ثم يصفها بمفردات متناسقة ثانياً، فهو أعتاد على وصف ما هو معروف ولم يعتد على إنبات شيء جديد وغير معروف، كونه متمرساً في الأسلوب الإنشائي دون الخبري.
ومن هنا يندر اليوم أن تجد شاعراً ومفكراً في نفس الوقت، كون المفكر لا يهمه لحن المفردات التي يصيغ بها فكرته بقدر ما يهمه أن يوصل فكرته البديعة بمعان واضحة تكون المفردة فيها خادمة للمعنى وليس بأن يكون لحن المفردة هو في المقدمة.
ومن أغراض الشعر أيضاً الفخر، وهذا الغرض أصبح في وقتنا الراهن يتخذ طابع العمومية، فلو أخذت عشر قصائد مختلفة قيلت في مناسبات مختلفة لوجدت أن المحتوى متشابه، حيث لا تعدو عن الكرم والشجاعة وما يجعلك تعجب بقصيدة مدح لعشيرة ما دون غيرها يرجع لسبك مفردات القصيدة وليس لمحتواها، فمثلاً الكرم هو الكرم، لكن التصوير الإنشائي هو ما يجعل كرم هذه العشيرة أرقى من كرم تلك، كون الأسلوب الإنشائي أعمى وغطى عن رؤية الحقيقة.