د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** هل يمكن عدُّ زمنٍ ما مقياسًا للحكم الموضوعي على ظاهرةٍ ما، بمعنى أن يصبح الأمسُ أو اليوم أو ما قبلهما أوما بعدهما نقطة ارتكاز لما هو سلبي أو إيجابي محاكمةً وحكمًا، ولماذا يأسى فئامٌ على ماضيهم ويتطلع فئام إلى غدهم ويبدون متخاصمين لا رابط بينهم؟!
** وهل يبرر هذا نشوء لغة الهُزء بالكبار عمرًا وظهور مصطلحاتٍ «تنابزيةٍ» عن الشيب والشعر الأبيض وأرذل العمر في أول اختلافٍ يقع بين جيلين أو متجايلين؟ وربما بالغ بعضٌ فطالبوا بعزل هؤلاء «المخرفين» عن المشهد العام، ولو وسعهم الأمر لطالبوا بوضعهم في مراكز إيواء العجزة!
** وبالمثل؛ فهل نستطيع اختيار شخصيةٍ ما أو حدثٍ ما كي نعدَّه منطلقًا لمحاكمة شخوصٍ غيره أو أحداثٍ سواه، وماذا حين نستعيد فتراتٍ متوهجة كتلك التي عاشتها الثقافة العربية أولَ القرن الماضي حتى بُعيد منتصفه أيام العمالقة : شوقي وحافظ وطه والعقاد والرافعي والشابي وصرُّوف ومظهر وأدهم ومدارس الديوان وأبولو والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجبران ونعيمة وزيادة، والقائمة تطول؟!
(2)
** يبدو أن ثنائية «المحافظ والليبرالي» تتجاور مع ثنائية «الشيوخ والشباب» كما ثنائيات أخرى صارت تحكم وتتحكم، وكأن الألوان ليس فيها سوى الأسود والأبيض، كما لا فصول سوى الصيف والشتاء، ولا جهات غير الشمال والجنوب، ولا مكان إلا لعاملٍ أو عميل، وأضاف آخرون: إن لم تمدح فأنت تشتم، وإن لم تحب فأنت تكره، وإن لم تتوسل فلن تصل..!
** للثنائيات معانٍ حتمية في لغة العلم كالبر والبحر والليل والنهار والشمس والقمر والسهل والجبل فلا يختلط طرفٌ بطرف لكنهما - في الوقت نفسه - يتكاملان فلا ينفصلان، وكذا يتجاورُ العالم والجاهل والمتدين والمتحرر والشيخ والشاب، ويسود اللون الرمادي ليُعطيَ الحياةَ واقعيتها والأحياء تراتبيتهم، ويسعف الزمن أزمانًا ليظهر النوابغُ كما سابقيهم، ويتجدد الظرف فلا نرى الأدباء والتراثيين - مثلًا - كما كنا نراهم، ونلمح - في الضفة الأخرى- شبابًا نابهًا قادرًا على تقديم الجديد المفيد وإن خذلته اللغة أو أعياه الأسلوب، وليتهم يجتهدون فيهما.
(3)
** استطاع وسيطا «اليوتيوب» و«التيليغرام» -بصورة أخص- تعريفنا بعلماءَ متفاوتي التوجهات والأعمار والبيئات لم تسكنهم الوسائط اللاهثة فتفرغوا بعطاءاتهم كما أفرغوا إمكاناتهم في سلاسل علمية منتظمة للتعريف بلطيف وطريف اختصاصاتهم، وهو أمر يؤكد تجاور الثنائيات وتحاورها من جانب مثلما يجسد مقدرة كل مرحلة على خلق رحلاتها دون أن تقف عند أسوار الراحلين.
** وفي الوسائط الأخرى اللاهثة مساحة لمن شاء اصطفاء نخبٍ نائية عن الحدث اليومي بما فيه ومن فيه فلا يُؤذي ضميره بما يقرأُه لائذًا بالعلمية والمنهجية والحياد، ومركزًا على الإفادة من التجارب المضيئة المضيفة للذائقة والذاكرة والوجدان.
(4)
** الأحادية انكفاء.