عروبة المنيف
تميَّز عيد الفطر في المملكة هذه السنة عن جميع الأعياد في السنوات السابقة، فقد عايشنا عيداً سعيداً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالبهجة والفرحة لا تشاهدها وتسمعها فقط بل تشعر بها، تتراءى لك على شكل رقصة فرح في عيون الأطفال، ومعزوفة لحن في ضحكات أهاليهم، وأنشودة سعادة تطرب الجميع وبأعذب الترانيم التي تغنى بها كل من شهد العيد هذه السنة، فالعيد أصبح أحلى واشتد ارتباط الناس بأرضهم وبيوتهم وأوطانهم.
شمولية وتنوع روزنامة الترفيه في العيد هذه السنة كانت خارج المألوف، حيث وصلت إلى أربعمائة فعالية كما أعلنت عنها هيئة الترفيه وشهدناها بانطلاقتها المميزة صباح أول أيام العيد والتي اشتملت على عروض للسيرك والمسرحيات والفنون الشعبية والمهرجانات والكرنفالات والعروض الفنية، وأقيمت في ثلاث وعشرين مدينة في مختلف أنحاء المملكة.
لقد شهدنا في عيد هذه السنة ترفيهاً حقيقياً وليس شكلياً، وأكاد أجزم بأن عدداً كبيراً من العائلات ممن اعتادوا السفر إلى دول مجاورة لقضاء العيد هناك قد صرفوا النظر عن السفر في موسم هذا العيد، فقد أشاد الكثيرون ممن حضروا تلك الفعاليات بالتنظيم والاحترافية في العروض السياحية والتي تضاهي الفعاليات التي تقام في العواصم العالمية، كالمهرجانات الغنائية والمسرحيات والسيرك الذي تنوع من الروسي إلى الهوليودي والصيني أيضاً.
إن دراسة حجم تأثير تلك الفعاليات الترفيهية على المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والإنتاجية ضروري جداً، فبدون شك سنلحظ مستقبلاً زيادة الدخل من عوائد السياحة الداخلية، حيث ينفق السعوديون على السياحة الخارجية أثناء الإجازات ما يتجاوز الواحد والعشرين مليار دولار. ذلك الإنفاق الهائل الذي كان يتسرب للخارج سيبقى في الداخل ليساهم في ازدهار الوطن واستقراره، وأبسط مثال على العوائد الاقتصادية من الأنشطة الترفيهية، ومساهمتها في خفض نسبة البطالة بين الشباب والشابات، تلك العربات الغذائية المتنقلة التي لا يخلو منها أي مهرجان أو فعالية ترفيهية ويديرها في الغالب بناتنا وأبناؤنا السعوديون.
إن مساهمة تلك الفعاليات الترفيهية لم تقتصر على العوائد المادية ولكن أكاد أتنبأ بحجم تأثيراتها الاجتماعية والنفسية أيضاً وفي مجال الترابط العائلي ورفع الحس الوطني والارتباط بالأرض، فصناعة الترفيه هي صناعه ذكية احترافية تستهدف الدعم النفسي من خلال إدخال البهجة والفرح في نفوس الناس ولكن تأثيراتها تمتد لتكاد تشمل جميع نواحي الحياة.
كلي حماس لمعرفة الإحصائيات المرتبطة بحجم الإنفاق على السياحة الخارجية والمتوقع انخفاضها بشكل قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، فلم يعد هناك داعٍ للسفر بحجة الترفيه وقضاء وقت ممتع مع العائلة، فعيدنا في السعودية أصبح أحلى بين الأهل والأصدقاء والارتباط بالوطن أصبح أقوى.
نتطلع مستقبلاً إلى أن يتم الالتفات بشكل جدي لتطوير مصايفنا الجميلة كالطائف والباحة وأبها وجيزان وغيرها، حيث الأجواء العليلة لقضاء صيف ممتع وللاستمتاع بهواء عليل ونسمة باردة، فتأهيل تلك المصايف بالمنتجعات السياحية والفنادق ومراكز الأنشطة الترفيهية والمطاعم والمقاهي المفتوحة والمسارح وغيرها هي مطلب مستقبلي يقع على عاتق وزارة السياحة جنباً إلى جنب مع هيئة الترفيه. وأخيراً عدت يا عيد بأجمل صوره وأبهى حلة، أعاده الله دوماً علينا بكل جميل.