مغالبة العاطفة والسير في ركابها ليست تهمة تناقض العقل لدى الكاتب، بل هي مكملة للعقل وهي وقوده الحقيقي الذي يسيرنا في كافة أحوالنا وفصول حياتنا وخاصة عندما يتعلق الأمر بنقاء السريرة وصدق المشاعر سواء تلك المفرحة أو المؤلمة، وعندما يتعلق الأمر بعاطفتنا نحو الآخر، وأخص بالذكر هنا معلم الأجيال محل افتخار الأوطان ومكان اعتزازهم الذي علمنا من علمه ما لا نعلم لتبقى وعلى المدى بصمته وصورته راسخة في أذهان تلاميذه وطلابه سراجاً وهاجاً ينير الأرض ويبعد شبح الجهل والتخلف والظلام، وصورة ناصعة البياض من البذل والتضحية والآمال والأحلام العريضة للحياة وللمستقبل، وحق لأمثالهم أن ترتفع الهامات إجلالاً واحتراماً وتقديراً.
يا ايها الصيد الذين عرفتهم
منذ الصبا حتى كسا الشيب الشعر
يا ناشري خير العلوم لجيلنا
يا ساخرين من الزمان اذا سخر
كنتم مراتع كل علم عندنا
زمر من الاجيال تعقبها زمر
أورثتموا أبناءنا كل التقى
جاهدموا في العلم ما احلى الظفر
أقول ذلك وعاطفتي تستدعيني لأرى أمامي سيرة ومسيرة أحد معلمي التعليم القدامى بمحافظة الطائف الخال المربي الفاضل الأستاذ عوض بن عطية العمراني الحارثي المدرس السابق بمدرسة المثنى بن حارثة بحي الشرقية التي قضى بها عقود من الزمن وقت أن كان للمعلم هيبته ومكانته الكبيرة في نفوس طلابه وفي المجتمع باسره وبما يمثله من رمز مشرق ومشرف للمعلم الصادق وما يؤمن به من قيم وجد وإخلاص وتفانٍ في أداء رسالة العلم والمعرفة وما تخرج على يديه من مئات ومئات الطلاب الذين أصبحوا اليوم يذرعون في صفحة الوطن ما غرسه فيهم من قيم ومثل سامية ومبادئ أصيلة.
ومعلمنا الكريم ورغم ما تبدو على ملامحه من صرامة وجدية بحكم عمله في التربية والتعليم وأن يكون قدوة للآخرين وحرصه الكبير في أن يرى كل أمر في نصابه ووضعه الصحيح إلا أن تلك الابتسامة المشرقة التي تستدعيها بعض المواقف تنبئ عما يمتلكه بين جنبيه من قلب رحيم دفاق بالمشاعر الإنسانية النبيلة والمواقف الكريمة التي لا يمكن أن تنسى لكل من تعرض لها والتي لا يعلمها إلا هو والنفر القليل من المقربين منه، وهو إضافة لبره بوالديه رحمهما الله أجمعين فقد عرفنا عنه وفاءه الكبير لإخوانه ولأصدقائه ومحبيه وحرصه على صلة ذوي القربى وما يتمتع به من حب وتقدير للعمل الاجتماعي الإنساني وسعيه الدؤوب في دروبه بسرية تامة.
ووفاء وتقديراً لشخصه وعشقه الكبير لمهنته التي نقشها على صدر الوطن قصائد من حب وعطاء وعمل وسخاء ممتد دون منة أو تراخٍ أو كسل والذي اعترف بتقصيرنا تجاهه فإنني استدعي اليوم كل طلابه ومحبيه وأصدقائه وكل من عرفه ومن لم يعرفه ليرفعوا جميعاً أكف التضرع والرجاء للمولى عز وجل ونحن نستظل بظلال هذه الأيام المباركة بأن يمنّ عليه بالصحة والعافية والشفاء العاجل وهو يصارع لواعج المرض القاسي برغم ما عهدناه فيه من قوة وجلد وشجاعة إلا أن للمرض جبروته ولوعته وتداعياته جعل الله كل ما يلقاه في موازين حسناته والدعاء موصول لشقيقه الملازم له في هذه الأيام الخال العميد متقاعد عبدالله عطية الحارثي الذي يعاني هو الآخر من وخزات المرض إلا أنه تحامل على نفسه وآلامه ليكون بجانب شقيقه الأكبر وكلنا أمل ورجاء كبير في الكريم المنان أن تكتحل عيوننا قريباً برؤيتهما مجدداً وهما يعاودان ركضهما في دروب الحياة ومسيرة الخير والعطاء اللهم آمين اللهم آمين.
** **
- مشعل الحارثي