أُولى معانِي العيدِ في الإسلام توحيدُ الله - تعالى - بإفراده - سبحانه - بالعبادةِ في الدّعاء والخوف والرّجاء والاستعاذة والاستعانة والتوكّل والرغبة والرهبة والذّبح والنذرِ وغير ذلك من أنواعِ العبادة، وهذا التوحيدُ هو أصل الدّين الإسلامي الذي ينبني عليه كلٌّ فرعٍ, من الشريعة، وهو تحقيق معنى «لا إله إلا الله» المدلولِ عليه بقوله - تعالى -: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5)، الذي نقرؤه في صلاةِ العيد وفي غيرِها من الصّلوات، والتوحيدُ هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنّاتِ النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمَل.
العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة على الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلى الثواب الأخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عزَّ وجلَّ واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء والمساكين ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها، وغير ذلك.
من أهم المقاصد الإسلامية التي شُرِعَ العيد لأجلها الالتقاء بين المسلمين والاجتماع فيما بينهم، وأبرز ما يتجلَّى ذلك في صلاة العيد، وهم يذكرون الله ويكبرونه «الله أكبر الله أكبر»، وما يستشعره كل فرد منهم من رابطة الأخوة الإسلامية التي تجمع بينهم، والإيمان الذي يوحّد قلوبهم، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، وشعار واحد هو شعار التوحيد (لا إله إلا الله) ولأجل هذا المعنى كان من السُّنَّة أداء صلاة العيد في المصلى، حيث يجتمع معظم أهل البلد في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، يؤدون صلاة واحدة، ويتبادلون أطراف الحديث في أمر دينهم ودنياهم وأخراهم.
ومن مقاصد العيد الإسلامية إدخال الفرحة والسرور على المسلمين بعد أدائهم لفرائض الله، واجتهادهم في عبادته، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان المبارك، وعيد الأضحى يأتي بعد انقضاء أعظم أركان الحج، وهو يوم عرفة، فالعيد مرتبط بالعبادة الإسلامية ولصيق بها، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أن تعب المتعبدين يأتي بعده الفرح والسرور، وأن العيد إذا كان جائزة المتعبدين في الدنيا، فإن الجائزة الكبرى في الآخرة جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، ورضوان من الله: متفق عليه (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) قال رسول الله: الفرحة بالعيد من الشعائر العبادية، التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها فالعيد معيار لمعرفة أخلاق الأمة في كل جوانب الحياة فيها؛ وذلك لأن مجموع الأمة تظهر بعوائدها على حقيقتها في هذا اليوم المشهود، الذي فيه فسحة، فتسموا بأخلاقها وأعمالها إلى أرفع ذروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، ويظهر المجتمع المسلم متماسكاً متعاوناً متراحماً متزناً، فتسمو فيه القلوب بالحب والإخاء الإسلامي والبر والصفاء، وتزيل عنها أدران التفرّق والشتات، المكتسبة بفعل النفس والشيطان والهوى، ويظهر المجتمع وكأنه لحمة واحدة، وهذا ما أسس له الرسول - صلى الله عليه وسلم- حينما جاء المدينة،عن أَنَسٍ - رضي الله عنه- قال: «قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر»).
فما أجمله من عيد وما أجمله من ترويح وسعادة وعمل بما يرضي الله تعالى.
سائلاً الله للجميع الهداية والتوفيق للعمل الصالح.